ما كدت أنتهي من قراءة مقالك الرائع عن الأداء النفسي في الشعر العربي حتى وجدتني مدفوعا إلى الكتابة إليك، معبرا لك في حرارة وإخلاص عن إعجابي الشديد بهذا المقال الفريد الذي بلغت فيه الذروة من حيث عمق الفكرة، ورهافة الإحساس، ودقة الشعور، وبراعة الأداء. لقد أديت بمقالك هذا الرائع خدمة عظيمة لمن يريدون أن ينقدوا الشعر والأدب، فدللتهم على الوجهة المثلى التي يجب أيتجه إليها كل من شاء أن يتصدى للنقد الفني المفيد، وأديت به كذلك خدمة عظيمة لقراء الشعر والأدب، فعرفتهم كيف يقرئون الشعر قراءة تأمل واستيعاب وتجاوب، وأديت به فاق ذلك خدمة للشعراء المحدثين حين جعلتهم يدركون أن هناك ناقدا ممتازا يرصد الطريق، ليقيم العاثر، ويوجه المنحرف، وينبذ المعوق، ويشجع المستقيم. وإني لأحمد الله على أن ميدان النقد الأدبي - وهو ميدان خطير الشأن - لم يخل بعد أن أنصرف عنه أمثال طه والعقاد والمازني وهيكل، من أمثال المعداوي وقطب ومندور، مع ما امتاز به الأخيرون من التجاوب مع شعراء الشباب في التفكير والشعور والإحساس.
وقد كنت أحب ألا تجعل كلامك مقصورا على نموذج واحد لشاعر واحد، فذلك من شأنه أن يغمط حقوق الآخرين. وكنت أحب كذلك أن تلتفت في ذلك المجال إلى الشعراء الشبان ممن تجد لديهم النماذج المنشودة للأداء النفسي. . كنت أحب أن تلتفت إلى هؤلاء الشعراء، ليكون هذا الالتفات تحية وتشجيعا لهم من جهة، وتوجيها وإرشاد من جهة أخرى، ولأنهم عدة المستقبل ومعقد الرجاء. أما بعد فقد كنت مشغولا عن القراءة والكتابة بظروف خاصة تتصل بكائنين عزيزين كل منهما أحب إلى من نفسي، ولكن مقالك هذا قد استطاع أن يستأثر بي بعض الوقت فقرأته، ثم استطاع أن يؤثر في نفسي تأثيرا عميقا فكتبت إليك أعذرني إذا لم أستطع أن أحدثك بكل ما لدي بسبب هذه الظروف الخاصة، وتقبل أخلص آيات المودة وأعظم دلائل التقدير من المخلص: