هذه رسالة شاعر يشهد الله أنني أقدره قبل أن ألقاه هذا اللقاء الفكري الأول، ويشهد الله أن تقديري له قبل لقائه كان وليد تلك الومضات النفسية التي طالعتني من شعره فيما قرأت له على صفحات (الرسالة) و (الكاتب المصري). . واليوم يزداد تقديري له وإعجابي به لأن الشاعر الذي يجيد التعبير عن عالم النفس والحياة، ثم يجمع عن هذه الموهبة سلامة النظرة إلى عالم الأدب والنقد، هذا الشاعر جدير بالتقدير والإعجاب!
هذه كلمات لا أريد بها أن تقوم مقام الشعر على كريم تقديره، وإنما أريد بها تقرير واقع تمثل بالأمس تحية من القلب، حتى إذا دعت إليه المناسبة تمثل اليوم في تحية من القلم. . . لقد جاء ذكره مرة على لسان الدكتور طه حسين فأثنى عليه أمامي وأثنيت، وجاء ذكره مرة أخرى على لسان الأستاذ الزيات فأثنى عليه أمامي وأثنيت، وحسب الشاعر الفاضل مثل هذا الذكر الجميل!
بعد هذا أقول للأستاذ نجا إن مقالي عن مشكلة الأداء النفسي في الشعر قد قصدت به إلى غاية ورميت به إلى هدف، أما الغاية فهي عرض المشكلة من شتى نواحيها ومختلف زواياها مع الاستشهاد الذي يقرن بين النقد والمثال، وأما الهدف فهو رسم الطريق لقارئ الشعر وناظمه وناقده على هدى ميزان أقمته وأومن به، فمن شاء أن يأخذ به من هؤلاء جميعا فليأخذ، ومن شاء أن ينصرف عنه فلينصرف. . ولكنني أحمد الله مع الأستاذ الشاعر على أن ميدان الذوق الأدبي - وهو ميدان خطير الشأن - لم يخل من أمثال هؤلاء الذين يبعثون إلي برسائلهم الممتازة تعقيبا على ما أكتب، وحسبي أن يكون من بينهم صاحب هذا الذوق اللماح!.
هذا هو المجال الذي أردت أن أكتب فيه، وهو مجال يحدد جوانب المشكلة وما فيها من قيم، على أن يكون ذلك عن طريق العرض الفني لتلك الجوانب، لا عن طريق الاستعراض النقدي للشعراء ممن يمثلون هذه القيم. . . وإذا كنت قد استشهدت بأبيات لإيليا أبي ماضي فليس معنى ذلك أن إيليا يقف وحده في ميدان الأداء النفسي الذي أدعو إليه، وإنما جاءت أبياته كنموذج كامل لهذا الأداء حتى يستطيع القراء والنقاد أن ينظروا إلى كل إنتاج شعري على ضوء هذا النموذج بالنسبة إلى الشعر العربي قديمه وحديثه. ولعل الأستاذ نجا لاحظ أنني أشرت إلى مدرستين تمثلان هذا الاتجاه في الشعر المعاصر،