لا ندري كيف نعلل سماح الحكومة البريطانية لليهود بأن يهاجر منهم إلى فلسطين ألف وخمسمائة كل شهر حتى تقدم لجنة التحقيق البريطانية الإنجليزية اقتراحاتها أو توصياتها، وهي مكلفة أن تفعل ذلك في أربعة أشهر.
فقد نقضت عهدها الصريح في الكتاب الأبيض أن لا يباح ليهودي أن يهاجر إلى فلسطين بعد انقضاء السنوات الخمس - وقد انقضت - ودخول العدد المنصوص عليه في الكتاب، وهو خمسة وسبعون ألفاً، وقد دخلوا - إلا بإذن العرب وموافقتهم، وقد أبى العرب كل الإباء أن يأذنوا ويوافقوا.
ولسنا نظن أن أحداً سيزعم أن الحكومة البريطانية جنبت أي خير بنقضها هذا العهد. فإن ستة آلاف يؤذن لهم في الهجرة إلى فلسطين في أربعة شهور رقم ضئيل لا يرضي اليهود أو يقنعهم، ولا يتألفهم من نفرتهم، ولا يسكن من ثائرتهم على بريطانيا، ولا يغريهم بالكف عن قتل أبنائها في بلاد فلسطين. وإذا قيل إنها فعلت ذلك مجاملة منها للرئيس ترومان، قلنا: وما ستة آلاف، وقد كان يطلب السماح لمائة ألف بالدخول؟ وأين المجاملة وقد مضى على طلبه هذا شهور وشهور ألفت في خلالها لجنة التحقيق وشرعت في أداء ما وكل إليها؟ ومثل هذا يقال عما بزعمه البعض في أنها أرادت أن تظهر للكونغرس الأمريكي أن هواها مع اليهود، وآية ذلك أنها نقضت الكتاب الأبيض بهذه الهجرة الجديدة، وأول الغيث قطر كما يقولون. وبها حاجة إلى رضى الكونغرس الأمريكي، حتى لا يرفض القرض الذي عقد لها في أمريكا.
فلا هي أرضت اليهود، ولا هي أحسنت المجاملة، ولا أقنعت الكنغرس، وكل ما كسبته بهذا النكث أنها أثبتت لليهود أنها ضعيفة، وأنها توسعهم حلماً وليناً كلما أوسعوها عدواناً وأسرفوا في تقتيل رجالها.
وأثبتت للعرب أنها لا وفاء لها ولا عهد. فما حاسنها أجد محاسنه العرب، وعاونوها أصدق معاونة في أيام الحرب، ولو شاءوا وكان ذلك في طباعهم لغدروا بها واغتنموا فرصة