الحرب، فأقلقوها وأزعجوها، وكانوا شوكة في جنبها، وإنها لتعرف بالتجربة، في ثورتيهم، أنهم لا يخافون البطش، ولا يهابون القوة ولا يروعهم البأس، إذا صمموا وألقوا عزمهم بين أعينهم، ولكنهم آثروا الوفاء لها في محنتها وكانوا كراماً، وهذا جزاؤهم! يضربها اليهود بسلاحها الذي يسرقونه من مخازن قواتها، وينسفون منشآتها، ويقتلون رجالها، ويستخفون بقوتها أيما استخفاف، فتربت لهم على ظهورهم وتقول لهم: تعالوا ادخلوا على بركة الله! وكانت أيام ثورة العرب عليها قبل هذه الحرب، إذا عثر رجالها على بندقية قديمة بالية ليست أجدى على صاحبها من سيف أبي حية النميرى تشنق الرجل، وتفرض الغرامات الفادحة على القرية، وتفعل الأفاعيل المنكرة!
ومن الغريب أنها تسوغ السماح بهذه الهجرة الجديدة بأن عليها تبعات تفرضها عليها شروط الانتداب ما دام قائماً. كأن الحكومة البريطانية التي أصدرت الكتاب الأبيض كانت تجهل شروط الانتداب حين قررت أن تنقطع الهجرة الصهيونية بعد السنوات الخمس إلا بإذن العرب! أو كأن شروط الانتداب لا تنص صراحة على اجتناب أي عمل يضر بأهل البلاد الأصليين أي العرب!
ومن الغريب كذلك أنها تقول في البلاغ الذي أذاعته في هذا الصدد إن (المداولات) مع العرب طالت، والذي نعرفه أنها لم تطل، فقد رفض العرب أن يوافقوا على هذه الهجرة الجديدة، وكانوا على حق في رفضهم، فإنها بلادهم، ولهم أن يأبوا أن يدخلها من لا يأمنون جانبه ولا يطمئنون إليه، بل من يخافون شره. وطبيعي أن يرفضوا دخول يهود آخرين لئلا يصبح اليهود هم الكثرة، فيؤول أمر البلاد إليهم، ويصبح العرب قلة وغرباء في أرضهم. ثم إن الكتاب الأبيض الإنجليزي نفسه يخول لهم الحق في القبول أو الرفض، ويجعلهم أصحاب الرأي والقول الفصل في ذلك، وقد رفضوا بحقهم، فكان على بريطانيا أن تحترم ما ذهبوا إليه، وان تحترم عهدها هي نفسها. فأما وهي لم تفعل، فمن ذا الذي يسعه أن يثق بعهد جديد لها، أو يطمئن إلى لجنة التحقيق وقد بدا من بريطانيا هذا الهوى؟
وقد أعلنت الحكومة البريطانية أنها ستعترف قريباً باستقلال شرقي الأردن، وكان تحت الانتداب تبعاً لفلسطين، وسيسافر صاحب السمو الأمير عبد الله أمير شرقي الأردن إلى لندن للاتفاق على الشروط التي يتم بها الاعتراف باستقلال إمارته، وسينادى سموه بنفسه