لم تَعْدِي الصواب يا سيدتي حين قلت في كتابك الرقيق المدْرَج في
مقالك البليغ: إن لكل من الشباب والشواب معايب ومطالب قد تعاونت
على خلق مشكلة الزواج؛ ولكن السبب المباشر والمصدر الأول هو
المادة
وتصديقاً لقولك أسوق إليك قصة سمعتها من بطلها الدكتور (م. ش). والدكتور (م. ش) يا سيدتي فتى سَوىً الخَلق كامل الثقافة، يملك البصر والسمع بروعة منظره وبراعة حديثه. نشأ في بيت من أوساط البيوت، ولكنه تعلم في أوربا، وتقدم في الوظيفة، فنحا منحى الأوربيين في العيش، وسَمتَ سمْت الأرستقراطيين في المظهر؛ فهو يلبس كما يلبسون، ويجلس حيث يجلسون، ويلح بالسرف على مرتبه الكافي حتى يضيق بشهواته فيتمزق عند منتصف الشهر، ثم يكون في النصف الآخر حميلة على والديه
حسبك يا سيدتي من وصفه هذا، فإني لأخشى أن يُكشَف فيُعرف؛ ومعرفته تجر إلى معرفة الفتاتين اللتين ضحى بهما لهواه؛ وإذا علمت أسرتاهما أنهما ذُكرتا في موضع العبرة، كان ذلك أشد على نفوسهما من ألم المصيبة:
قال الدكتور ذات مساء بلهجة المقترف المعترف النادم ونحن نتناقل الحديث عن جنسك الذي لا يفتُر عنه الحديث ولا يُمل: كنت مصروفاً عن الزواج لأني لم أجد في نفسي حاجة إليه ولا في رأيي فائدة منه. إن كان يطلب للمتعة الطبيعية فقد يسرتها المرأة الطليقة؛ وإن كان يطلب للراحة المنزلية فقد هيأتها الأسرة الشفيقة؛ وما دام الأنس بالمرأة والأسرة موفوراً، فعلام يُحتمل عنت الزوجة وهم الولد وتكاليف البيت؟ ولكن سَرفي وترفي وقلة مرتبي وضيق ثروة أبي، نبهتني إلى أن الزواج يطلب لأمر ثالث: هو الثروة. فرغبت إلى أمي أن تستعين بالأقارب والصواحب والخواطب على أن تجد لي (بغلة العشر)، فقلَّبن على عيني أشتاتاً من العبقريات الحسان يملكن كل شيء إلا ما أريده، حتى وصلتني إحدى الخاطبات بفتاة قالت إنها أكثر مما أطلب. ثم خلى أهلها بينها وبيني، فتلاقت عينانا، ثم