فكرانا، ثم قلبانا، فما أنكرت منها خلقاً، ولا ذممت لها صحبة: ملاحة شرقية تغترق البصر، وثقافة عصرية ترضي العقل، ورشاقة رياضية تملك النفس، وشهوة جامحة لعيش المترفين تصور لها بالألوان السحرية أي قصر ستسكن، وأي حلة ستلبس، وأي سيارة ستركب، وأي حفلة ستقيم، وأي أسرة ستدير؛ فرأيت في رغباتها وحياتها صورة رغباتي ونمط حياتي، كأنما خلقها الله رضاً لهواي وتحقيقاً لمناي وتماماً لنفسي. ثم توثقت بيننا على جلوات الربيع وخلواته عرى المحبة، فتساقينا كؤوس الهوى في كل حديقة وعلى كل نهر، وأخذنا نهدهد حبنا الوليد على أناشيد الأمل انتظاراً ليومنا الموعود وعيشنا المرتقب!
على أن وحدة الخلق وجُمعة الأمل وألفة الهوى لم تُنسني السؤال عن المحبوب الأول والمطلوب الأول وهو المال. ولشد ما كانت خيبتي حين تكشَّف لي غناها عن دَين فادح لا ضمان له، ورياء فاضح لا حيلة فيه. حينئذ تغير النظر وتبدل الرأي واختلف الغرض، وأصبحت الخطيبة الحبيبة كعشرات الأوانس اللائى عقدتُ بهن أسبابي، وأذقتهن ضلال نفسي وعبث شبابي. إذن فما معنى أن أجمع بين طمعي وطموحها، ثم لا أملك لي ولا لها تحقيق أمل ولا قضاء نَهْمة؟
مشيت معها مشي الشباب المعروف أعدُها وأمنّيها، والخواطب الموعودات يغشين الدور ويقتحمن الخدور باحثات عن الثراء الضخم في أي فتاة كانت؛ حتى اهتدين إلى ابنة المرحوم (م. باشا) وكان من الأغنياء المذكورين، فلا مساغ للشك في ثروته، ولا وجه للسؤال عن ملكه. وكان العجب أن تظل ابنته مغمورة حتى تكشف عنها الخاطبة، ولكن أعجب العجب أن يشترط أهلها عقد الزواج من غير رؤية، وتعجيل يوم الزفاف من غير مهلة. وكان لا يعنيني أن أسأل الخاطبة عن حِلية الخطيبة، فإنها إن تكن جميلة ظفرت بالحسْنيين، وإن تكن دميمة كان لها معي بحكم زواجها بيت، ولي مع غيرها بفضل ثروتها ألف بيت!
وفي الحق أني تمثلتها حين دخلت بها كومة عالية من اللحم والشحم أضفوا عليها أفواف الوشي وشفوف الحرير، وفي ذروة الكومة نتأ رأس كرأس أبي الهول طوقوا أسفله بالذهب، وتوجوا أعلاه باللؤلؤ. ولا تسل عن الذراعين والساقين فإنهن قوائم فيل أو أساطين هيكل! ولكنها على بدانتها - شهد الله - خفيفة الظل عذبة الروح. وحسبي منها ألا