وفيما كانت (سان فيليب) تشرف علينا من موضعها هذا إشراف السحابة التي توشك أن تنقض بصواعقها في تواتر وعنف، كانت أربعة من الغلايين الإسبانية قد انحازت عن الأسطول جانباً، فاستقر اثنان منها على يسار سفينتنا واثنان منها على يمينها، ثم انثالت قذائف الدمار علينا منها جميعاً. ولكن سرعان ما تبينت سان فيليب حرج موقفها فارتدت مبهورة، وفي جوفها ما يقض ويرمض. . . ثم انحدرت إلى سفينتنا عُصب من سائر السفن تقاتلنا يداً بيد. اثنتي عشرة مرة يقتحمون صفوفنا برماحهم وقذافاتهم، واثنتي عشر مرة ننفضهم عنا كما ينفض الكلب الواثب من الماء أذنيه البليلتين
. . . أخيراً يقل وجه النهار وتوارت الشمس بالحجاب، ثم طلعت نجوم الليل فوق صفحة المحيط الدافئ؛ ولكن المعركة القائمة بين سفينة واحدة وثلاث وخمسين لم تكف لحظة. . . فقد كانت (غلايينهم) السامقة تنساب إلينا سفيناً بعد سفين، على مدى فترة الليل الطويل، فتقذفنا بجاحم من متسعَر نارها ومتأجج حممها؛ ولكنها ما ترتد إلا وقد تخضبت بدم قتلاها وتجللت بسواد فضيحتها وعارها. لقد ابتلع اليم فريقاً منها، ومزقت قذائفنا فريقاً آخر لم يعد يملك معه للنضال سبيلاً. فيا لها من موقعة عجب، لم تقع عين لها من قبل على شبيه!!
كانت سفينتنا لا تزيد على حطام متناثر عند ما راح قائدنا يهتف في قوة: ناضلوا، ناضلوا! وما كادت تولى بُهْرة هذا الليل المتقاصر حتى أصيب بجراحة غادر من أجلها ظهر السفينة إلى حيث يضمَّد له. . . ولكن قذيفة أخرى مسددة شقت طريقها إلى طبيبه الذي يقوم عليه فخر في موضعه صريعاً، وأصيب هو بجراح أخرى في جنبه وفي شواه، فما كان إلا أن هتف مكرراً دعوته: ناضلوا، ناضلوا!
انحسر نقاب الظلام، وذر قرن الشمس على الأفق البعيد، ورأينا الأسطول الإسباني بدعائمه المنهارة قد أحصر بنا من كل وجهة، وطوقنا في دائرة تامة. ولكن سفينة واحدة لم