اليونسكو هيئة ثقافية دولية، أنشئت للتقريب بين أمم العالم أهداف العلم والثقافة وتكوين عقلية إنسانية جديدة غير صالحة دور الشقاق والنزاع والمنافسة على السيطرة، ولكن مما يؤسف أن اجتماعاتها ومؤتمراتها تسودها دائما الاعتبارات السياسية هذا أمر طبيعي - على رغم الأهداف الموضعية - مادامت تكون من مندوبين ووفود رسمية تمثل حكومات العالم التي الجميع اختلافاتها وتعارض أغراضها. فلو فرضنا أن هؤلاء مندوبين جميعا من ذوى الثقافة وأهل الفكر فلا ينبغي أن نغفل عن تقيدهم بآراء حكومتهم وما تمليه عليهم من الخطط السياسية.
هذا هو مؤتمرها المنعقد الآن في فلورنسا، يبدأ بالنظر في اقتراح وفدى تشيكوسلوفاكيا والمجر الذي يتضمن عدم الاعتراف وفد الصين الوطنية، وقد هدد الوفدان بالانسحاب إذا لم يستبعد وفد الصين. والمؤتمر ينظر أيضا في اقتراح آخر لتشكوسلوفاكيا قضى باعتبار الدولة التي تسبق غيرها في استخدام القنبلة الذرية (مجرمة حرب) ويطلب وضع هذا السلاح تحت الرقابة الدولية وأن يتعاون الجميع للدفاع عن السلام.
وقد وقف مندوبو الدول العربية من الاقتراح الأول موقفا يتفق مع أغراض اليونسكو، إذ رأوا أن ليس من اختصاصها أن تهتم بالمسائل السياسية وانه يكفى التحقيق من صحت أوراق اعتماد الوفود المختلفة. وعقب الدكتور طه حسين بك رئيس وفد مصر على الاقتراح الثاني بقوله: ربما كنت من الذين يؤمنون بالخرافات فأنا لا احب أن أستمع إلى الحديث عن الحرب وعن السلام، وأوثر عليه الحديث عن العلم والثقافة وأود إلا نستخدم كلمتي الحرب والسلم، إذ أخشى أن تؤدي كثرة الحديث عن السلام إلى التنفير السلام منا.
ولكن يظهر إننا - أيضا - لم نسلم من إقحام السياسة في أعمال اليونسكو، فقد امتنع وفد مصر عن الاقتراح على قبول الأردن عضوا في هيئة اليونسكو، بناء على تعليمات تلقاها الوفد من القاهرة، ولا أريد اعتراض على أن يجري وفد مصر وفق هذا التيار العالي، بل أقول بوجوب ذلك، لأنه من العبث أن نلتزم المثالية بين هؤلاء الذين يلعبون على المسرح