حينما كنت أشغل وظيفة كتابية بوزارة الحربية، كان لي زميل في نفس حجرتي يدعى جان فيدال، وهو ضابط سابق فقد ذراعه اليسرى في الحملة الإيطالية، ولكنه كان يمكنه الاكتفاء بيده اليمنى للقيام بأعمال مدهشة
كان شخصاُ وديعاُ ونموذجاُ للجندي الطيب، ومع إنه كان لا يتعدى الأربعين من عمره، إلا انه من العسير أن تميز شعرة بيضاء في لحيته ومع هذا اعتدنا أن نطلق عليه (الأب فيدال) احتراماُ له، لأننا كنا نعلم الكثير عن حياته الباسلة في مسكنه المتواضع في حي جرينبل، فقد ضم أخته أليه للإقامة معه فجاءت يتبعها طابور من الأطفال، وكان دخله يتكون من معاشه ومرتبه. وجملته ثلاثة آلاف فرنك يعيش عليها خمسة أشخاص، ولكنه بالرغم من هذه الأعباء نظيف الملبس فسترته نظيفة، وقد شبك ذراعه اليسرى الفارغة بدبوس
وكنت اسكن حينئذ أحد أحياء جنوب باريس، فكنت أصحبه دائماُ في طريقه إلى المنزل كما كنت أستشيره دائماُ ونحن في طريقنا ليحدثني عن حياته العسكرية السابقة، وكنا نمر في طريقنا بالقرب من المدرسة الحربية فتواجهنا تلك السترات الرسمية المختلفة الألوان - وكنا في آخر أيام الإمبراطورية - الثانية التي يلبسها رجال الحرس الإمبراطوري ورجال الهوسار بملابسهم الخضراء، والخيالة بملابسهم البيضاء والمدفعية بملابسهم الموشاة بالقصب التي تستحق حقاُ أن يقاتل لابسوها من اجلها حتى الموت
وكنت أدعو زميلي في أمسيات الصيف لتناول كأسين من الأبسنت، ونجلس في المقهى حوالي نصف الساعة، وحينما تأخذه النشوة منذ تلك الكأس التي انقطع عن شربها منذ أن أصبح رب عائلة يبدو رجلاُ مرحاُ، وحينئذ أتوقع أن أسمع منه قصة عن الحرب نقطع بها بقية الطريق