وذات مساء، وكان قد تناول كأسين من الشراب، وقف فجأة أمام إحدى الحوانيت التي تباع فيها الملابس القديمة في شارع جرينبل، كان حانوتاُ قذراُ يعرض سترات قديمة لبعض الضباط لوثتها الأمطار، وأحالت أشعة الشمس ألوانها، وبعض الزراير والمسدسات العتيقة، فأمسك فيدال بذراعي بيده الوحيدة ثم إشارة بطرف ذراعه المقطوعة إلى إحدى هذه السترات. كانت لضابط برتبة كابتن، ثم قال (انظر. . هذه هي السترة الرسمية عليها علامة الفرقة التي كنت أخدم بها) وتقدم ليرى الرقم المحفور على الأزرار فقال: (يا إلهي إنها نفس فرقتي. .)
وفجأة ارتعشت شفتاه وشحب وجهه وقال في صوت فزع. .
(يالهي. . لربما كانت سترته هو!) وأمسك بالسترة يقلبها بين يديه، فلاحظ ثقباُ مستديراُ في منتصف الظهر. . ثقب رصاصة، وحوله بقعة سوداء لعلها آثار دم، وكان ذلك الثقب يثير الفزع والشفقة، وكأنه جرح حقيقي، ولمحت في وجه فيدال أن هناك قصة وراء هذه السترة، فقلت له ونحن نتابع سيرنا لأدفعه حتى يحدثني بها:
- (إن ضباط فرقتك لا يجرحون من الخلف. . أليس كذلك؟)
ولكنه لم يسمعني. . كان يهمهم ببعض الكلمات قائلا: - (كيف وصلت إلى هنا؟ إنها لمسافة طويلة من ميدان الحرب في ميلينينانو إلى شارع جرينبل. . . أنا أعرف أن هناك يسلبون الموتى ملابسهم في الميدان، ولكن من الغريب حقاُ أن تصل هذه السترة إلى ذلك الحانوت الذي لا يبعد عن المدرسة الحربية سوى مائة خطوة فحسب حيث تعسكر فرقته، ولعله مر بها وعرفها وكأنها ميت عاد إلى الحياة)
ولقد أثار ذلك اهتمامي حتى إني أمسكت بذراعه وقلت (اسمع يا فيدال) لا تتكلم هكذا فأنا لا أفهمك. . ولكن حدثني بالقصة كاملة. . بماذا ذكرتك هذه السترة؟)
وكنت أشك إنه سيتكلم فقد فحصني بنظرة كلها شك. . بل خوف، ولكن يخيل لي إنه اتخذ قرارا هاما فإذا يبدأ قائلا:
(حسنا سأحدثك بالقصة فأنت رجل أمين وشاب مثقف، وأعتقد في صدق حكمك، وحينما أنتهي من سرد قصتي أرجو أن تصارحني عما إذا كنت قد تصرفت تصرفا حكيما
والآن. . من أين أبدأ؟ آه نعم. . أولا لا يمكن أن أذكر اسم ذلك الرجل لأنه ما زال حيا،