ولكنني سأطلق عليه الاسم الذي اشتهر به في الفرقة. كنا ندعوه (الظمأ) وكان ذلك الاسم يلائمه تماما لأنه كان لا يبرح (الكانتين) أبداُ وكان في مقدوره احتساء اثنتي عشر كأساُ حتى ينتصف الليل
كان شاويشاُ في فرقتي وكنا نعمل في مؤخرة الجيش، ومع أنه كان سكيراُ ولصاُ ومحبا للشجار إلا انه كان شجاعا كالأسد، له عينان زرقاوان باردتان كالصلب في وجهه لوحته الشمس ولحية حمراء. ولقد صرح له مرة بإجازة ثلاثة أيام قضاها في الأحياء الساقطة في الجزائر مع ستة من المجرمين على شاكلته فأعيد إلى الثكنات مشجوج الرأس بعد أن تشاجر مع بعض الجنود في منزل امرأة ساقطة. وأفاق بعدها فحكم عليه بالسجن أسبوعين، وخفضت رتبته، وكانت هذه المرة الثانية التي يجازى فيها بذلك الجزاء. ولقد كان من عائلة محترمة كما كانت ثقافته طيبة، ولو كان حسن السلوك لحظي بترقيات متوالية. ولكنه بعد مضى ثمانية عشر شهرا استعاد رتبته بفضل رئيسه الكابتن الذي قدر رباط جأشه تحت وابل النيران في الجزائر.
ولكن حدث أن نقل الكابتن الذكور وحل محله آخر كورسيكي في الثانية والعشرين من عمره واسمه جنتيل وهو شاب طموح وضابط نشيط، ولكنه يقسو في معاملة جنده، فهو يجازيك بالسجن أسبوعا إذا رأى زرارا مفقودا من سترتك، أو لاحظ بعض الصدأ على بندقيتك. هذا فضلا على إنه لم يخدم في الجزائر من قبل فلم يكن يسمح بذلك التراخي في النظام الذي تعودناه هناك حتى اعتبرناه حقا من حقوقنا.
ولأول وهلة نشأ شعور من عدم الاستلطاف بين الكابتن جنتيل وزميلنا (الظمأ) وكان جزاء أول ذنب يرتكبه الشاويش لعدم استجابته لما يطلب منه أن حكم عليه بالسجن أسبوعا. وبينما فاجأه ثملا مرة ثانية حكم عليه بالسجن لمدة أسبوعين. وقد قال الكابتن وهو يدينه:
- سأرى إن كنت ستتأدب!!
فلم يجيبه الظمأ بل سار بهدوء إلى زنزانته، ولعل الكابتن كان سيغير اعتقاده لو رأى الغضب المرتسم في عيني (الظمأ) الزرقاوين الصلبتين
وحدث بعد ذلك أن أعلن الإمبراطور الحرب على النمسا فنقلنا بحرا إلى إيطاليا، ولن أحدثك عن الحملة بل سأتابع قصتي. ففي بداية المعركة معركة (ملنيانو) التي فقدت فيها