للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ثقافة الشاعر وأثرها في شعره]

للأستاذ دريني خشبة

ظن بعض إخواننا الشعراء أننا قصدناهم بمقالنا الذي رجونا شعراء الشباب فيه أن يعنوا بثقافتهم الخاصة حتى يستطيعوا أن يحسنوا الاضطلاع بالنهضة التي نطمع أن تتم للشعر العربي الحديث على أيديهم. . . وإخواننا هؤلاء مخطئون، لأنهم الآن في الذروة من ثقافتهم التي أوشكت أن تمهد لهم الزعامة في الشعر المصري الحديث، وإن كانوا في نظرنا مع ذلك لم يؤدوا لهذا الشعر جزءا واحدة من مائة جزء مما نصبو إليه، حتى يكون لنا شعر لا نخجل من المباهاة به وسط أنواع الشعر العالمي

وسخط بعض إخواننا من شعراء الشباب الآخرين، وعدوا الروح التي أملت علينا مقالنا نكوصا عما أخذنا به أنفسنا من الدفاع عن شعراء الشباب، ونسوا أننا لم نك يوما مكابرين حتى نغمض أعيننا عما في كثير من شعرهم من الطراوة والفجاجة والضعف. . . الشعر الذي لا يمكن أن يحدث نهضة طالما أن أصحابه معجبون به. . . يظنون أنه بلغ الدرجة القصوى من الأناقة والتجويد، وأوفى على الغاية من الذوق والحرارة والشاعرية

ورضى فريق ثالث متواضع فاقتنى الكثير من الكتب التي أشرنا إليها وأخذ يستوعب ما فيها، ويصلح به شأنه، وكان في اعترافهم بما لمسناه في بعضهم من قلة الاطلاع على أشعار العرب في مختلف العصور لون من عظمة النفس التي تفتقر إليها نهضتنا الأدبية التي نرجو أن تبلغ أوجها على أيديهم إن شاء الله

غير أن فريقاً رابعاً من أنبه شعرائنا - الشباب والشيوخ - الذين جمعتنا بهم صدفة من أسعد الصدف، لم يوافقنا على ما ندعو إليه من وجوب أن يكون الشاعر مثقفا تلك الثقافة العميقة التي لا تنبغي - فيما ذهبوا إليه - إلا للعلماء والفلاسفة والكتاب. . . وذلك، أن تلك الثقافة العميقة، فيما ذهبوا إليه أيضاً، قد تجني على شاعرية الشاعر فتجعله جاف الأسلوب، نابي العبارة، ملتوي التفكير، معقد الأداء. . . وضربوا لذلك مثلاً. . . أبا الطيب المتنبي، وأبا العلاء المعري. . . فلم يفتني أن أعارضهم بأبي تمام، والبحتري، وابن الرومي. . .!

وهكذا ننتقل فجأة إلى قضية أدبية طريفة. . . ليست أقل قيمة من تلك القضية الشائكة. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>