من يعرفه من الناس إنه من أبعد خلق الله عنها. إن كان قد غبي على الأستاذ وصف إنسان يعاصره ويعايشه في بلد واحد، وخفي عليه سيرة رجل قريب منه يستطيع أن يعرفه باللقاء والمحادثة، ويستطيع أن يسأل عنه أصحابه وتلاميذه، إن كان قد ذهب عنه هذا كله احتقاراً بالناس أو احتقاراً للحق أو ولوعا بالافتراء، وجموحا مع الهوى؛ فهل يثق عاقل بكلامه في الأمور المعنوية المعيبة، الأمور التاريخية والاجتماعية واللغوية الدقيقة، هل يظن عاقل أن من يجري مع الهوى وطلق الجموح، ويساير الباطل هذه المسايرة يكلف نفسه عناء في بحث موضوع أو وزن دليل، ونقد حجة؟ إني لا أنال من سعادة الأستاذ بمثل أن أدعو القارئ إلى قراءة هذا الفصل المضحك المبكي فهو أبلغ شيء في وصف نفسه ووصف كاتبه
وليت شعري أهذا شيء حديث عرض لسعادة الأستاذ أم كان بهذه الطريقة نفسها يعالج قضايا الناس محامياً ونائباً وقاضياً؟
وبعد؛ فقد قرأت في كتاب فارسي هذه القصة:
ذهب رجل إلى طبيب وشكا إليه أنه يحس في صدره عقداً، قال الطبيب ما صناعتك؟ قال شاعر. قال نظمت شعراً منذ قليل؟ قال نعم. قال أنشدته أحداً؟ قال لا. قال فأنشدنيه؛ فأنشده. فاستعاده مرات. ثم سأله كيف تجدك الآن؟ قال أشعر براحة، قال الطبيب هذا شعر كان معقداً في صدرك
لعل سعادة الأستاذ استراح بعد أن أخلى صدره من كلام تعقد فيه زمناً طويلاً، وقد بعد عهده بمجادلته في المجمع التي ضج منها الأعضاء ولا يزالون يضجون ويشكون، وكان في مجادلة المجمع عوضي عن مجادلات ألفها المؤلف طول عمره. فإن كانت عقد صدره قد انحلت بما لفظه علينا من البغي والافتراء، فليحمد الله الذي شرح صدره
وفي المقال الآتي أناقش الأستاذ في الكلمات القليلة، التي كتبها في الموضوع آسفاً على أنه أخرجني عن البحث كارهاً مشمئزاً ولا ذنب للمكره، وللناس والأقلام محن تكره فيها على ما لا تود، وتكلف ما يشق عليها.