للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من ذكريات رحلة الجامعة المصرية إلى أوربا]

زاكوبانا

مدينة الأحلام والثلج

بقلم محمد عبد الرحيم عنبر

كان من برنامجنا الطويل أن نزور بولندا، فوصلنا عاصمتها الجديدة (فارسوفيا) في مساء ١٧ أغسطس الماضي، كما كان من المقرر أن نقيم فيها ثمانية أيام، إلا أن أموراً شاقة عرضت فجعلت رئيس الرحلة يغير وجهة السير، إذ أن شرذمة كبيرة من مهرة (النشالين اليهود) قد احتفت بمقدمنا الاحتفاء اللائق! ومما زاد في مضايقتنا إجراءات البوليس البولندي التي كان لها كل الفضل في تأخير وصلوا حقائبنا إلى (بيت الطلبة) القذر الذي هيئ لأقامتنا!. وكان أغلبنا قد غلبه النعاس من فرط الإعياء فأسلم عينيه لسلطان الكرى ونام ببذلته نوماً هنيئاً حتى تبدت خيوط الصباح في اليوم التالي. وفي ذلك اليوم استفحلت احتفاءات النشالين إلى درجة مزعجة

فكان طبيعياً أذن أن يستقر بنا الفكر على مغادرة فارسوفيا بعد إذ جاهدنا جهاد الأبطال في الذود عن (جيوبنا) مما محا من نفوسنا جمال كل رؤية!

وعلى رصيف المحطة حدثني أحد الأولاد البولنديين عن هذه الظاهرة في أسف قائلاً لي: (يؤلمنا جداً أن يزعجكم أولئك النشالون الدوليون من سفلة اليهود الذين تضيق بهم بلادنا!) فشكرته وطيبت خاطره لكي أذهب عن وجهه لمعة الخجل

وبعد سفر شاق دام عشر ساعات بالقطار بلغنا زاكوبانا. وكم كان المنظر رائعاً حين كنا نعدو سراعاً خفافاً، كل خمسة منا في عربة رشيقة صغيرة ذات حصان واحد ينهب الأرض نهباً، ويطوي المسافات الطويلة صاعداً فوق صدر ربوات عاليات في طريقنا إلى فندق (مارتون الجميل الذي يطل على قلب المدينة من فوق ارتفاع تسعمائة متر، ارتفاع شاهق يتيح للنزل أن يدوروا بأعينهم فوق آفاق الجبال السامقة المترامية الأطراف، ذات التيجان الثلجية؛ أو أن يرسلوا أنظارهم بعيداً إلى حيث تفترش أشعة الشمس رقع الأرض ذات الألوان الصارخة المختلفة؛ وأينما تقع أبصارهم يشاهدوا جمالاً أخاذاً، ويروا صوراً

<<  <  ج:
ص:  >  >>