(كان يقال: كلام ذاهب في الهواء ليقال أنه كلام لا يبلغ الآذان وأنه من باب أولى لا يسلك سبيله إلى الهواء في زماننا هذا أكثر وايسر من كل كلام يتلقاه الناس على صفحة القرطاس). . .
عباس محمود العقاد
[على الأثير]
أحاديث مختلفة نضدها العقاد في كتاب واحد وهي تختلف في الألوان ولكنها تتحد في عمق الفكرة وصدق المنطق وفي أنها كلمات ألقيت عبر الأثير لتنساب إلى الآذان وتبلغ الناس رسالة فكرية تحل مشكلاتهم في أيسر سبيل.
تقلب صفحات الكتاب فتلمس علاجا لمشاكل الثقافة والاجتماع والتاريخ والوجود والنفس، وتلمح بعض المناسبات التي يتحدث فيها المسلمون بعضهم إلى بعض حديثا تدعو إليه صلات الرحم وهذا الود الكريم الذي يؤلف بين القلوب ويوجد بين النفوس ويجعل الحياة إخاء ومودة ورحمة.
ارأيت إلى حديثه عن قادة ثلاثة من قادة الشرق واعني بهم الحكيم جمال الدين الأفغاني والشيخ الإمام محمد عبده والزعيم الخالد سعد زغلول؟ ولو قدر لك الاستماع إلى هذا الحديث أو قراءته خلال صفحات الكتاب لوجد أن النقاد تسال عن مكانة الأستاذ الإمام بين زميليه العظيمين اللذين يذكران معه كلما ذكر. والرأي عند العقاد أن القيمة الحقيقية لكل منهم تختلف في التحديد فقد كان محمد عبده مصلحاً دينياً وجمال الدين داعيا عظيما، وسعد زغلول زعيماً خالداً، فهم أذن يتفقون في بعض خصال وبعض مشارب، ويختلفون في أساس الاستعداد.
وأنت ملاق في كتابه نوعا جديدا من فلسفة الوجود، صيغت قي مقال صائغ مشرق الديباجة رصين الأسلوب وهذا في مقال له دعاه (طفولة الإنسانية) يقول فيه: (ما دام الإنسان يريد الخير فهو ينشده ويبذل فيه ثمنه وإن غلا؛ وهو أذن رجل الروح والأخلاق. وما دام