كان ابن سينا في المقالة الخامسة بصدد الحديث عن المركبات وما تتركب منه من عناصر، وكيف يتم هذا التركيب؛ فتناول النار، فالأرض بطبقاتها من بر وبحر وطين؛ فالهواء ما كان منه بخاراً أو برداً أو دخاناً أو ريحاً. . . فكأن العناصر عنده هي العناصر الأربعة المعروفة لكم منذ الأيونيين: الماء والهواء والنار والتراب. لا توجد صرفاً خالصاً، بل باختلاط وتمازج. والجديد هنا أن هذه العناصر (طوع الأجرام العالية الفلكية)، وأن الكائنات الفاسدة (يعني الفانية المحسوسة) تتولد من تأثير تلك (يعني العناصر) وطاعة هذه (يعني الأفلاك)؛ لأن الفلك وإن لم يكن حاراً ولا بارداً فإنه قد ينبعث منه في الأجسام السفلية حرارة وبرودة بقوى تفيض منه عليها. . .). اربطوا قوله هذا (في صفحة ١٥٢ ومنتصف ١٥٣) بمطلع فصلكم السادس في النفس حيث يقول:) وقد يتكون من هذه العناصر أكوان أيضاً بسبب القوى الفلكية إذا امتزجت العناصر امتزاجاً أكثر اعتدالاً مما سبق ذكره من المركبات؛ كالنبات والحيوان والإنسان التي نفوسها موضع حديثه في هذا الفصل.
وعند ابن سينا أن الأفعال النباتية والحيوانية والإنسانية تكون من قوى زائدة على مجرد الجسمية وطبيعة المزاج، وأنه كلما حدث اعتدال أكثر في تركيب هذه العناصر وانسجامها كانت أكثر قبولاً لقوة نفسانية أرقى من الأولى. وتلمسون فكرة التدرج هذه في تقسيم النفوس النباتية والحيوانية والإنسانية وفقاً لدرجة كل منها في هذا الاعتدال من تعريفه لهذه النقوس. والنفس هي كمال أول الجسم طبيعي آلي - نفس التعريف الذي قال به أرسطو - فإن كانت نباتياً فهي كماله من حيث التوالد والنمو والغذاء؛ وإن كان حيوانياً فمن جهة إدراكه للجزئيات وتحركه بالإرادة؛ وإن كان إنسانياً فمن حيث هو يفعل الأفعال باختيار الفكر واستنباط الرأي. وتذكركم هذه التعريفات - فينا أرجو - بما بين لكم أساتذتكم من الاطراد العكسي في نقص الما صدق تبعاً لاتساع المفهوم؛ خصوصاً وأن هذه الصفات الواردة في التعريفات المذكورة كلها أساسية وجوهرية تنتقل من العام إلى الخاص؛ مما