يترتب عليه أن تكون صفات الأعم، (النبات) موجودة في الأخص (الإنسان)، لا العكس
وهنا نقبل على أقسام كل من هذه النفوس الثلاثة: فقوة الغذاء وقوة النمو وقوة التوالد هي ما تنقسم إليه النفس النباتية، ولن يتعذر عليكم فهم تعريفها واستيعابها. أما النفس الحيوانية فلها فوق صفات النفس النباتية السابقة، وكما ترون من تعريفها قوتان: الحركة والإدراك الجزئي. والحركة إما ببعث الشوق والنزوع للحركة بقوة الشهوة (اللذة) أو بقوة الغضب (الألم)، وإما بفعل الأعصاب يقع عليها التأثير من خارج فيرنه إلى العضلات في حركة رد فعل أو استجابة وكلاهما نظرية علمية لا تزال قائمة في علم النفس إلى اليوم - الأول تستند إلى علم الأخلاق، ويأخذ بها أصحاب الدوافع أو مدرسة القصد في علم النفس والأخرى يؤيدها علم وظائف الأعضاء (الفزيولوجيا) وخصوصاً دورة الجهاز العصبي بطرقه الصاعدة التي توصل التأثير من الحواس إلى المخ والنخاع الشوكي ثم بطرقه الهابطة التي ترتد بالحركة إلى العضلات أو غيرها من مناطق الفعل الحركية مما لا يزال يفسر به كل فعل عصبي أو منعكس شرطي. فابن سينا في هذين القسمين الجزئيين يقدم لنا تفسيراً مزدوجاً للحركة الإرادية وغير الإرادية يسبق به علماء النفس المحدثين بقرون.
ونعود إلى قوة الإدراك في النفس الحيوانية، فنجدها تنقسم إلى إدراك ظاهر وإدراك باطن، أما الإدراك الظاهر فأبوابه الحواس الخمس المعروفة (أبواب المعرفة الخمسة) كما نقلها جون ملتون وهي البصر والسمع والشم والذوق واللمس لأربعة الأزواج المتضادة بنفس ترتيبها حسب أهميتها لدى كوندياك وغيره من علماء النفس المحدثين، وبنفس تفسيرها تقريباً. فالمؤثر من الخارج يقع على عضو الحس فينبهه وينطبع في الذهن فيفسره المخ. وهنا جدل طويل حول الرأي القديم الذي كان يظن بحاسة البصر غير ذلك، وتأييد للرأي العلمي الصحيح. هذه هي الحواس الخمس التي تم بها الإدراك الظاهر، وكان ابن سينا قد قال: الخمسة أو الثمانية - ولكنه لم يذكر إلا هذه الخمسة، فهو إذن يريد بذلك الأربعة الأولى ثم يقسم اللمس إلى الأربعة الأزواج المذكورة: الحرارة والبرودة، واليبس والرطوبة، والصلابة والليونة، والخشونة ونعومة الملمس - بوصفها أربع قوى لجنس اللمس الواحد. وعلى أي حال فقد وجدنا من علماء النفس المحدثين من يقول بثماني حواس