للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فعلاً من خمس، ولكنه يزيد حينئذ على الخمس آنفة الذكر: حاسة التعب، وحاسة الاتزان في الوضع، ثم حاسة الاتجاه. وليست هذه على أي حال ظاهرية.

أما الإدراك الباطن فهو إدراك صور أو إدراك معان: الصور هي التي تدركها الحواس أولاً، ثم تفسرها القوى الباطنة - كالتي ذكرنا، والمعنى تدركه القوى الباطنة وحدها، أي يتمثله الذهن وحده دون إهابه بالحواس. وهو إدراك سلبي بلا فعل ترتسم فيه صورة الشيء فحسب؛ أو إدراك إيجابي فعال فيه تركيب للصور والمعاني وتحليلها - وهو تقسيم فعلي إلى فاعل إيجابي، وقابل أو منفعل سلبي. ثم هو إدراك أول مباشر يقع للشخص من نفسه - أي إدراك ذاتي أو يؤديه إليه شيء آخر يأتي عليه من خارج - إدراك موضعي

تبينوا هذه التصنيفات الثلاثة للإدراك جيداً، وميزوها بوضوح، ثم انظروا إلى ابن سينا وهو يشرح المخ ليوزع فيه مناطقه المختلفة نفوذ هذه القوى الإدراكية. فالمخ ينقسم باعتبار المكان - في موضعه من تجويف الرأس - إلى مقدم ووسط ومؤخرة. في المقدم يوجد الحس المشترك (وهو ينقل كلمة فنطاسيا من اليونانية بمعنى الإبانة أو الإظهار ليدل بها على المخيلة أو المصورة للشيء بعد غيابه. وفي الوسط توجد المفكرة في الإنسان (والمتوهمة في الحيوان) التي تجمع وتفصل هذه الصور وفي المؤخرة توجد الحافظة أو الذاكرة التي تختزن فيها المعاني الذهنية كما يجمع الحس المشترك الصور الحسية.

وأخيراً تأتي النفس الناطقة وتنقسم عنده إلى نفس عاملة (عملية) وأخرى عالمة (نظرية)؛ الأولى تتعلق بالتدبير والتصرف؛ والثانية باكتساب العلوم والمعارف. الأولى مبدأ يحرك بدن الإنسان إلى تدبير أموره الجزئية الخاصة - أي إلى السلوك بحرية واختيار؛ وذلك بفعل قوتي النزوع والوهم. فالنزوع يبعث فيها الفعل والانفعال كالضحك والبكاء والخجل. . . الخ مما يتعلق بمواقف الإنسان ذاتها وكيف يخرج منها. والوهم يبعث على تدبير الأمور والعمل والاختراع. وهذا العقل العملي ذاته يولد - بالاشتراك مع العقل النظري - مبادئ الأخلاق والمعاملات والتصرف، وهي التي يجب أن تكون لها السيطرة على قوى البدن الأخرى حتى يكون سلوك الإنسان فاضلاً، فلو تغلبت القوى الأخرى كالشهوة والانفعال والغضب. . . الخ؛ لنشأن الأخلاق الرذيلة.

تلك هي النفس العملية التي تتعلق بسياسة البدن السفلي وقيادته إلى الفضيلة. فالنفس -

<<  <  ج:
ص:  >  >>