للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تعليقات القراء على الرسالة]

إلى الأستاذ الرافعي

للأستاذ علي الطنطاوي

سيدي:

أعرني هذا القلم السحري الذي تكتب به. . . لأصف لك الشعور الذي خامرني وإخواني هنا، حين قرأنا فصلك الأخير: قصة زواج. . . فما أدري والله كيف أصفع لك

وقد والله قرأناه مثنى وثلاث ورباع، وقد والله قطعتا القراءة مرة وثانية وثالثة، لأننا لم نكن نملك نفوسنا أن تفلت من قيود المادة، وتنفذ من بين السطور إلى عالم أسمى وأوسع، تطير في أرجائه لتحلق بهذه البلاغة العلوية التي تسمو بتاليها وتسمو. . . حتى تدنو من حدود العالم الكامل - عالم القرآن - وتريه تحقيق ما قاله سعد (بطل المشرق): كأنها تنزيل من التنزيل!

وقد والله خرجنا منها وكأننا لم نعرف عبد الملك أمير المؤمنين، وسعيداً سيد التابعين، إلا الساعة. . . فإذا أنت قد نقلت الملك والجلال من ذاك إلى هذا، وإذا مقالة منك واحدة، تغلب عبد الملك على جيوشه وأمواله وملكه، ثم تجرده منها، ثم تعرضه جسداً هزيلاً؛ وتمنح سعيداً على فقره وتواضعه، أسمى العظمة والهيبة والجلال. . . حتى يقول هذا: (أنا. . .) فترددها ملائكة السماء. ويقول ذاك: (أنا. . .) فتستحي أن تعيدها شياطين الجحيم!

وأقسم لقد سمعت هذه القصة وقرأتها، وحفظتها، وحدثت بها. وانحدرت بين أذني ورأسي ولساني عشرين مرة، ثم كأني لم أسمع بها إلا الآن. . . وكأني كنت فيها في ليل مظلم، فطلعت على مقالتك شمساً ساطعة؛ عرفت معها كيف تكون حصيات الليل لآلئ النهار. . . فما بالك بمن لم يسمع باسم سعيد؟ وما بالك بمن لا يعرف في الدنيا أدباً، إلا الأدب الذي يسقط علينا من باريس أو لندن أو بوسي أيرس؛ ولا يدري من البلاغة إلا أنها التي تلوح بين سطورها رؤس البنادق، وأفواه المدافع، وأجنحة الطيارات؟

ومثل أولئك كثير، فقد عابوك بالغموض، ورموك بالإبهام، وادعوا أن كتبك لا تفهم، ومعانيك لا تساغ، فلما ظهر أن في الغرب شاعراً فحلاً مذهبه الغموض فنًا من فنون الأدب تتمحل له الأسباب وتتلمس له الدواعي! فما الذي سيئة الرافعي حسنة بول فاليري، إلا أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>