قطعة رائعة التمثيل جليلة المغزى للامنيه، وهو علم من أعلام الأدب الفرنسي، وفيلسوف من فلاسفة المذهب الكاثوليكي، وخطيب بليل اللسان من خطباء الدين والسياسة، ولد سنة ١٧٨٢ في بلد زعيم البيان الفرنسي (شاتوبريان)، ثم طار في جوه، فنشأ مثله لطيف الوجدان، خصب المخيلة، وثاب الفكر، صحيح الرأي لا يخضع لنظام، ولا يستكين لحادث. دخل الكنيسة راهبا، ثم الجمعية العمومية نائبا، فنصر الله في الأولى والحرية في الثانية. ثم صبا في سياسته إلى الاشتراكية، وفي عقيدته إلى الأرثوذكسية، وحاول أن يقيم المسيحية على دعائم جديدة من الوضوح والبساطة. فلقى في سبيل هذه الآراء الحرة سخط البابا وغضب الكهنوت وعنت الساسة.
أما أسلوبه فخطابي شعري يعتمد على الصور الحية والتشابيه القوية، ويسلك فيه مسلك (بوسويه) في احتذاء الإنجيل، واقتباسه منه أسلوب الرمز والتمثيل.
وهذه القطعة التي ننشرها اليوم تمثل شبق الإنسان إلى شهوة البهيمية وحاله بعدها، فمثل الشهوان كمثل الظمآن يتحرق إلى اللذة الآثمة، كما يتحرق هذا إلى الكرمة اليانعة، ودون هذه اللذة آثام وأجرام ورجس، كالمستنقع الذي يحول بين الظمآن وبين عصير العنب. وهنا يتصارع العقل والهوى، وتوازن النفس بين نتانة الوحل وبين برودة العنب، فيستخف الشهوان بالخطيئة اعتمادا على التوبة، كما يستخف الظمآن بالوحل اعتماداً على الغسل، ولكن هيهات! لابد للجرح من اثر. وللنتن الخبيث من ذفر
قال لامنيه:
برح به أُوار القيظ، وبلغ منه سُعار العطش، فأرسل طرفه في الفضاء، فرأى في حضيض الأكمة كرما تهدلت أغصانه وتدلت عناقيده. فهفا قلبه من الفرح، وتاقت نفسه إلى بلوغ الكرم لينقع بثمره أوامه، وينضح بشرابه كبده، ولكن بينه وبين الأكمة مستنقعا لا مناص من خوضه، وقف موقف الحائر لا يدري أيقدم أم يحجم؟ فتارة تدفعه حرارة الظمأ، وتغريه