فلما لاحه العطش سولت نفسه إليه أن المستنقع قد يكون قريب الغور سهل المعبر، فما الذي يمنعه أن يجرب ما يفعله كثير من الناس؟ على انه لا يلوث غير قدميه، وذلك أذى في جانب ما يبغيه قليل.
أطاع هواه واستجر لشيطانه، فوضع قدميه في النقع حتى غاص فيه إلى ركبتيه. فوقف مترددا مرتابا يداور الأمر في نفسه ويقول: لعل الرجوع أخف مئونة وأحمد مغبة، ولكن الكرمة وعناقيدها أمامه، والريق قد عصب من الظمأ فاه. . . فقال في نفسه: أما وقد بلغت ما بلغت فليس من الرأي أن ارجع فيذهب ذلك العناء باطلا، لا ينبغي بعد هذا أن اكترث لما ألقى من الوحل قل أو كثر، فسأعود نقي الجسم طاهر الثوب إذا ما اغتسلت في أول نهر أجده.
أمضى على هذه الفكرة عزمه وتقدم، فبلغ الطين صدره، ثم عنقه، ثم شفتيه، وما لبث أن طم فوق رأسه، فضاق صدره وحشرجت أنفاسه، وكاد يصرعه الخُناق لولا أن استجمع قواه ونهض نهضة بلغت به جانب الأكمة.
خرج والحمأ المسنون يسيل من أعضائه، فأكل من الشجرة التي اشتهاها حتى اكتظ، ثم نظر إلى نفسه فأخجله ما رأى من بشاعة منظرة وقبح زيه، فخلع ثيابه وطفق يبحث عن ماء رائق يطهر به نفسه، ويذهب عنه رجسه ولكن هيهات أن يتم له ما يريد! انه مهما فعل فان الرائحة الخبيثة باقية تسطع في الأنوف وتدفع في الحلوق.
لقد نفذت أبخرة المستنقع في لحمه وعظمه، ثم أخذت تفوح وتنشر، فكونت من حوله جواً فاسداً عفناً لا يطيق الصبر عليه إنسان، ولا يستطيع الدنو منه أحد.