(أهدي هذا الفصل إلى. . . . . . صاحب (الرسالة)، اعترافاً بفضله وفضل رسالته علي، فأنه لولا التشجيع الذي تفضل علي به يوم صدر كتابي (أبو بكر الصديق) لم يؤلف هذا الكتاب)
(علي).
- ١ -
. . . في يوم وَهِج من أيام الصيف، قد خَدِر واشتدّ حرّه، في الهاجرة الملتهبة، كان يسير على رَمْضاء مكة - وقد تسعَّرت الأرض وتوقدت، واستحالت جمرة مشتعلة - رجل ضخم الجثة مفرط الطول، شديد الأسر، قد توشح سيفه، وأقبل مسرعاً يطأ الأرض وطأ عنيفاً، فتحس كأن قد تقلقلت تحت أقدامه، ويرمي كل شيء حوله بنظرات حادة ينبعث منها الغضب، ويتطاير منها الشرر، لا يبالي بالشمس المتقدة، ولا الحصى المتسعّرة، ولا يحفل السموم الذي هب سخناً يلفح الوجوه، كأنه فيح جهنم. . . لأن له غاية فهو يسعى إليها، إنه يريد أن يقتل (سيّد العالم)!
ذاك هو (عمر) الجاهليّةِ. . . رجل يعيش في الظلام، وراء سور التاريخ، لم يَدْنُ منه، ولم يلجْ حماه، ولم يُلْقَ عليه نوره؛ رجل يمشي في هذه القافلة الجاهلية، التي تبدأ من وسط الرمال، في قلب الصحراء، ثم تسير على الرمال، رمال الصحراء، ثم تنتهي في الرمال، في الصحراء. . . تبدأ من العدم، وتنتهي إلى العدم، قبل أن تبلغ أرض المدنية، أو تصل إلى حدود العمران، أو تدنو من مهاد العلم والحضارة والحياة. . .
رجل يعيش بغير أسم، ويموت بلا ذكر!
- ٢ -
قف أيها الرّجل! تودع من جاهليتك، إن عرشك في التاريخ قد أُعِد لك لتستوي عليه، إن محمداً (صلى الله عليه وسلم) سيضع في يدك المفتاح الذي يفتح لك أبواب (التاريخ) الذي جهلك وأنكرك، ولم يَدْرِ بك. . . لتدخل حرمه، ثم تعلوا في مراقيه، ثم توغل في ساحاته