للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الخطابة، ولغتهم لغة الدين والدولة والقرآن - حاجة إلى الاطلاع على آداب غيرهم، فنظروا إلى الأدبين الفارسي واليوناني وغيرهما شزراً، وخسروا بذلك كثيراً وضاق أفق أدبهم كثيراً لاعتزاله غيره.

على حين أن الإنجليز الذين ضنوا بقوميتهم وترفعوا عن سواهم من الأمم في الحكم وفي المجتمع لم يترفعوا عن آداب تلك الأمم الجديرة بالدرس، فانتفعوا قبل توسعهم وبعده بالآداب الإيطالية والفرنسية والألمانية، بله آداب الأمم البائدة من إغريق ورومان، أوسعوا كل ذلك درساً واطلاعاً ونقلاً، فأخصبوا أدبهم أي إخصاب، ووسعوا أطراف لغتهم ذاتها. وعلى هذا النحو استفاد الإنجليز بخير ما في الآداب الأجنبية دون أن يفقدوا شخصيتهم في غمار تلك الآداب، أو يسمحوا للأثر الأجنبي أن يفسد ملكتهم الأصلية وطبعهم الخاص.

فالظروف التي أحاطت باتصال العرب بغيرهم، وتأثر أدبهم بالآداب الأجنبية، والسنن التي استنها العرب في معاملة الأجانب، لم تكن خير ما يساعد الأدب العربي على النمو الصحيح والازدهار الطويل؛ واللغة العربية المحكمة البناء، البارعة التعبير، الغنية الجوانب، التي أينعت أحسن إيناع تحت سماء البادية لم يتح لها في أرض الحضارة من يوجهون بليغ أساليبها أحسن التوجيه إلى دراسة النفس الإنسانية ووصف المجتمع البشري، وكان رقيها العلمي في ظل الإمبراطورية الإسلامية أعظم بكثير من رقيها الأدبي.

فخري أبو السعود

<<  <  ج:
ص:  >  >>