للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[سوء تفاهم]

للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

كانت الساعة العاشرة حين خرجت السيارتان إلى الطريق العام - أو صعدتا إليه إذا أردت الدقة فان الأرض هناك، في لبنان، قلما تكون مستوية - وكنت أقود إحداهما ومعي فيها زوجتي وأبنائي، وفي الثانية أقارب لنا يقضون الصيف في (ضهور الشوير) وقد مروا بنا في بكفيا - حيث كنا نقضي الصيف - ليرافقونا إلى (الشاغور) حيث دعينا إلى الغداء عند أسرة صديقة لنا من يافا. وتوكلنا على الله وأخذنا الطريق إلى بيروت وكله من بكفيا انحدار وبعضه أوعر من بعض، ولكني كنت قد ألفته وزايلني الخوف من التواءاته وتعاريجه الحادة التي يثب عندها القلب إلى الحلق. وكان اليوم مشرقاً والمناظر على الجانبين مما ترتاح العين إليه وينشرح الصدر له، والطريق أحسن ما يكون نعومة وملاسة وإن كان مما يدير الرأس أحياناً أن يصوب المرء عينه عن الجبل الأخضر من ناحية إلى الوادي العميق من الناحية الأخرى؛ وكان لا بد من العناية والحذر في السير لشدة الانحدار وكثرة المنعرجات وازدحام الطريق بالصاعدين والنازلين فيه بالسيارات الخفيفة والثقيلة والضخمة والصغيرة، فكان البطء الذي اضطرنا إليه الحذار من أسباب المتعة، فاستطعنا أن نتملى بالمناظر التي حولنا وأن نتحدث كما نشاء ونجنب الصمت الذي تدعو إليه السرعة والذي لا يكون إلا ثقيلاً على المسافرين

واحتجنا أن نتزود من (البنزين) ولم يكن معنا إلا ورق مصري، فقالت زوجتي وأنا أناول الرجل ورقة مصرية بجنيه وآخذ الباقي: (ماذا أعطاك؟)

ففتحت لها كفي على ما فيه فأخذته وعدَّته، ثم سألتني: (كم أعطوك؟. . إني لا أفهم!)

قلت: (الجنيه المصري يساوي ٣٩٤ قرشاً سورياً، وقد أخذوا حقهم وأعطوني حقي وهو معك)

فقالت زوجتي والتفتت لأقاربنا (لست أفهم. . . لقد كان الجنيه يساوي ٣٩٧ قرشاً)

فقلت: (ولكن الفرنك ارتفع وارتفعت تبعاً له العملة السورية)

فقالت مستغربة: (ولكن لماذا أهملت أن تستبدل النقود المصرية قبل أن يهبط)

قلت وأنا أبتسم: (إنه لم يهبط بل ارتفع)

<<  <  ج:
ص:  >  >>