الأوربيين ولا سيما أسبانيا؛ وقد استطاعت أوربا أن تقضي على هذه الظاهرة، وأن تقف طوال القرن التاسع عشر متحدة ضد الدولة العثمانية حتى انتهت بتمزيقها؛ وفي الحرب الروسية اليابانية كانت أوربا كلها تتوجس شراً من انتصار اليابان، ولو أن دولا أوربية كانت تتمنى ألا تنتصر روسيا انتصاراً يؤدي إلى تقوية سلطانها في القارة؛ ولما انتصرت اليابان ارتاعت أوربا، وذاعت من ذلك الحين صيحة الخطر الأصفر، واجتمعت أوربا على مقاومة الاستعمار الياباني حتى كانت الحرب الكبرى فانضمت اليابان إلى الحلفاء ضد ألمانيا، واستولت على أسلابها الاستعمارية في الصين. أما اليوم فان ألمانيا تحالف اليابان ضد أوربا، وتحدث بذلك ثغرة عميقة في إجماع أوربا القديم، وتجمع الشهوات العسكرية والاستعمارية بين الجنس الأصفر الذي اعتبر فيما مضى خطراً على أوربا، وبين الجنس (الآري) الذي تزعم ألمانيا الهتلرية أنه أفضل أجناس العالم
وأخيراً نجد العالم الجديد (أمريكا) يتأهب للأخذ بنصيبه في توجيه سياسة القارة القديمة؛ وقد دخلت أمريكا الحرب إلى جانب الحلفاء، وعاونت على ظفرهم في المعركة الحاسمة، واشتركت في شؤون أوربا مدى حين، ولكنها انسحبت منها حينما تفاقمت الفوضى الدولية في أوربا، وعادت إلى سياستها التقليدية من اعتزال الشؤون الأوربية، بيد أنه يلوح لنا أن التحالف الياباني الألماني قد يحملها على العود إلى الاشتراك في السياسة الأوربية مرة أخرى، والى محالفة الدول الغربية على العمل لمصالحها المشتركة في الشرق الأقصى، وهذا عامل خطير أيضاً في إضعاف الطابع الأوربي للسياسة الدولية العامة
والخلاصة أن أوربا فقدت زعامتها السياسية والاجتماعية القديمة، وأخذت تندمج شيئاً فشيئاً في الوحدة العالمية الكبرى؛ وقد فقدت فكرة الحضارة الأوربية، وخصومة الشرق والغرب، والتضامن الأوربي في الشؤون الاستعمارية كثيراً من معانيها وأوضاعها القديمة التي كانت تسبغ على أوربا مكانة الزعامة والوحي والإرشاد