[المصيف]
للأستاذ محمود خيرت
خلا الرّبعُ في الصيف من ربّه ... فهلاَّ خلا الدمعُ من غَربه
وكم ضاق ربعٌ بِسُكانِه ... فولَّوا فراراً على رَحبه
وحَسْبهمُ القيظ عذراً فمَن ... يُؤاوى الجحيمَ إلى جَنبه
ترى الناس في زُمَرٍ يركُضون ... منازيحَ كالطَّير في سِربه
إذا سعَّر الحرُّ رطْبَ النَّسيم ... تنقَّلَ يبحثُ عَن رَطبِه
وليْس السِّفارُ ووعثاؤه ... بِصارفِه عن جَني طلْبه
ومْهما تمرَّرَ طعْمُ الدواء ... فإنَّ السلامة في شرْبِه
وأما المصيف فمن ذا الذي ... تعلَّلَ منهُ ولم يُصبِه
هناكَ الطَّبيعةُ فتَّانةٌ ... ترِفُّ من الحْسن في ثوبِه
هناك الجمال وسُلطانه ... هناك الهوى بأساليِبه
إذا ما الغواني رمي لحظهنّ ... شرِبتَ الدموعَ على نخْبِه
وهَمَّ الخليُّ ثقيلَ الهموِم ... يُسِرُّ إلى جاره ما بِه
وقد سبَقَتْ وعْيَهُ كفُّهُ ... إلى موضع الجُرح من قَلبِه
وتخطرُ في الشَّطّ أغصانُهنَّ ... دلالاً فيُوغِلُ في عُجبه
وعُجْبُ المليحات مِن دأبهنَّ ... وما كان للشطِّ مِن دأبه
ويَجلِسْن تحت مظلاّتهنَّ ... نَشاوى وكلٌ إلى صحْبِه
يطوف الحديث بأرجائهنَّ ... أَلذَّ مِنَ الصفو في ذَوْبِه
إذا حل أُذْنَ نَزِيلِ الشباب ... لواهُ وزعزع مِن لُبَّه
وإن حلَّ أُذْن المشِيب ... أعاد الشَّباب إلى شَيْبه
ويسمعُه الطير في روضهِ ... فيهتزُّ الأنوفَ شَذا طيبِه
ومهُنَّ مَن راقَها في العُبَاب ... زئير الضَّراغمِ مِن صَخْبِه
فوافَتْه تَسْبحُ جبَّارةً ... فهلْ خرَجتْ فيهِ من صُلبِه
فما راعَها هوْلُ أمْواجِهَ ... ولا راعها الهول في جُبِّه