للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ضحى الإسلام أو أحمد أمين]

- ١ -

إذا قرأت ضحى الإسلام عرفت أحمد أمين، وإذا عرفت أحمد أمين فكأنك قرأت ضحى الإسلام، وكمال المعرفة بالاثنين أن تفهمهما معا، لأنك لا تجد تلازما بين شيئين أشد مما هو بين هذا الرجل وما يكتب، فإذا ألف أو أنشأ مقالا أو ترجم فصلا ظل باقيا وراء كلماته، وخلال سطوره، يعرض عليك الصور، ويقرر لك الآراء، بطلعته الباسمة في غير افترار، ولهجته الحازمة في غير أمر، وعقله القوي في غير عنف، وطبعه الحيي في غير ضعف، وأسلوبه الهادئ في غير فتور فلا تدري أتقرأ أم تسمع، وكتاب في يدك أم رجل معك!

وهو في بروز الشخصية العلمية يتفق مع صديقه طه، ثم يختلف بعد ذلك عنه في كل شيء.

أستبن الجاحظ في أدبنا القديم، وأحمد أمين في أدبنا الحديث، ثم قل بعد ذلك فيما يشبه التعميم: أن كل كتاب متى أخرجه إلى الناس مؤلفه، يكاد من وهن الصلة به لا يعرفه، وإنما تظل مسائله في قلقها أشبه بالطيور المقنوصة، لا تفتأ نزاعة إلى الجو الذي عاشت فيه، وإلى الوكر الذي أخذت منه. فإذا كثر الحديث عن احمد أمين منذ ظهر فجر الإسلام، واستفاض هذا الحديث عنه منذ نشر ضحى الإسلام، فذلك لأن هذين الكتابين وحدهما فتح في الآداب العربية، ونصر للعقيدة الإسلامية، ومجد للعقلية المصرية، لم يهيئهما الله في الغابر والحاضر لهؤلاء الا على يد احمد أمين.

ومعاذ الله أن نهجم على الحق وندخل على القارئ برأي لا يقره الضمير ولا يرتضيه العلم، فقد قضينا العمر بين أشتات المؤلفات العربية، نكابد ما يكابد غيرنا من تناقض وتعارض وغموض، ثم عالجنا التأليف وبلونا ما يعانيه ناشد العلم في بيد دونها بيد، ثم قرأنا هذين الكتابين فأكبرنا فيهما الجهد الذي لايكل، والعقل الذي لا يضل، والبصيرة التي تنفذ إلى الحق من حجب صفيقة، وتهتدي إليه في مسالك متشعبة.

نشأ أحمد أمين نشأة أزهرية، ونعني بهذه النشأة ما يلازمها من نمط خاص في الحياة والتربية والدراسة والوجهة، ومن غريب هذه النشأة أنها تساعد على الهبوط كما تساعد على الصعود، فمتخرجو الأزهر إما قادة للشعب وإما حميلة عليه، لأن حرية التعليم فيه

<<  <  ج:
ص:  >  >>