للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كانت تهيئ كل نفس لما خلقت له: فهذا تعده ليكون قارئا في ضريح أو إماما في زاوية، وذاك تعده ليكون مستشارا في محكمة أو أستاذا في جامعة، واحمد أمين كمحمد عبده وسعد زغلول وطه حسين قد زوده الأزهر بخير ما فيه من صبر على الدرس. واتكاء على النفس، واستقصاء لأطراف البحث، ثم دفعه إلى الحياة دفعا فاستكمل ثقافته في مدرسة القضاء ثم اشتغل بالتعليم، ثم تولى الحكم بين الناس في المحاكم الشرعية، ثم ثقف على نفسه اللغة الإنجليزية، ثم تبوأ كرسيه في الجامعة المصرية، وها هو ذا بكتابيه يحتل مكان الزعامة العلمية.

إن ألمع ما في شخصية هذا الرجل متانة خلقه، ولأمر ما شغف منذ شب بتدريس (الأخلاق)، وترجمة (الأخلاق)، وتأليف (الأخلاق)، ولسر ما يتجدد انتخابه بالإجماع رئيسا للجنة التأليف والترجمة والنشر تسع عشرة مرة في تسع عشرة سنة متوالية!!

إن نجاح الأستاذ احمد أمين في الحياة نجاح للعلم وفوز للفضيلة، لأنه لم يعتمد في شهرته العلمية على الإعلان

و (التهويش). ولا في مناصبه الحكومية على الاستخذاء والملق. وإنما يجري في عمله على الأخلاص، وفي معاملاته على الحق، وفي علاقاته على الشرف. وما حياته الحافلة إلا مثل للحياة العاملة في غير ضجيج، الناصبة في غير ملل، المثمرة في غير غرور ولا دعوى، فهي أشبه شيء بالنبع السلسال العذب، يسيل حلو الخرير تحت شواجن الأدغال، وفوق مطمئن الأرض، فيروي العطاش ويمرع السهول، في غير هدير ولا صخب!

ذلك هو الكاتب، وأما الكتاب فنرجو أن نوفق إلى تحليله في العدد المقبل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>