يرقد نابوليون في مثواه الخالد في مؤخرة صرح الانفاليد بباريس، في تابوت من المرمر القاتم. تظلله قبة فخمة رائعة، وقد ركزت حوله عدة من الأعلام التي ظفر بها الإمبراطور في الوقائع الشهيرة التي خاضها وكان النصر حليفه فيها مثل مارنجو، وفاجرام، وايلو، واوسترلتز، ويينا، والاهرام، وغيرها؛ وقد استوقفنا يوم أتيحت لنا زيارة قبر الإمبراطور منظر ذينك العلمين الممزقين اللذين كتب أمامهما موقعة الاهرام، فلم نستطيع أن نميز لهما لوناً أو علامة خاصة أو أن نقرأ فيهما شيئاً
كانت الحملة المصرية من أعظم الحوادث التي تركت في ذهن نابوليون أثراً خالداً؛ ومع إنها اختتمت بالفشل من الوجهتين العسكرية والسياسية فإنها تركت من الوجهة المعنوية أعمق الآثار؛ ولم يكن نابليون حين مقدمه إلى مصر فاتحاً يبحث وراء طالعه فقط، ولكنه كان يتصور أنه يستطيع أن يعيد حلم الاسكندر، فيبدل آلام والحضارات؛ ومن ثم فقد حشد في جيشه المطابع والأدوات العلمية إلى جانب المدافع، والعلماء المبرزين في كل فن إلى جانب الضباط والقادة؛ ولم يكن ظفر نابوليون بفتح مصر والبقاء فيها مدى حين، ليضارع تلك الجهود البديعة التي اضطلع بها علماء الحملة الفرنسية لدراسة مصر وحضارتها، وتلك النتائج العلمية الباهرة التي وفقوا إليها، ودونوها فيما بعد في كتاب (وصف مصر) أعظم وأقوى موسوعة ظهرت عن مصر، في العصر الحديث
ولما عاد نابوليون من مصر إلى فرنسا حينما تعقدت الحوادث وتجهمت، (أكتوبر سنة ١٧٩٩)، لم يكن لديه أمل في استبقاء مصر طويلا، ولكنه أراد أن يغادرها جنده في افضل الظروف والشروط؛ وهذا ما وقع بعد قليل، فقد انتهت الحوادث بجلاء الفرنسيين عن مصر في أواخر سنة ١٨٠١؛ ولكن نابوليون لم يقطع صلته بمصر، ولم ينقطع اهتمامه بشئونها؛ فقد عني بعد ذلك بتأليف لجنة من العلماء الذين رافقوا الحملة إلى مصر مثل برتوليه ومونج وفورييه، لتضع موسوعة شاملة عن مصر، وظهر أول مجلد من هذه الموسوعة، أو كتاب وصف مصر الذي أشرنا إليه في سنة ١٨٠٩، واستمر صدورها بعد