للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ذلك أجزاء متعاقبة إلى سنة ١٨٢٦، وكانت من أعظم ثمار الحملة العلمية

ولبث نابوليون وثيق الصلة بمصر وذكرياتها عن طريق آخر؛ ذلك هو حرسه الخاص الذي ألفه من بعض المماليك والأقباط والترك والسود الذين اصطحبهم معه من مصر؛ وكانت هذه الفرقة المختارة التي يرتدي أفرادها الثياب الشرقية الزاهية ويركبون الخيول المطهمة تصحب القنصل الأول، ثم الامبراطور، في غدواته وروحاته، إلى التويلري ومالميزون؛ وكان منظرها الفخم المروع معاً، يثير طلعة الباريسيين ودهشتهم، فيحتشدوا لرؤية أولئك الفرسان الشرقيين، أولي الشوارب المفتولة، والعمائم الملونة، والثياب الفضفاضة، كلما مر ركب نابوليون

وكان عميد هذه الكوكبة المختارة جندي مملوك يدعى رستم. ولرستم مع نابوليون قصة طريفة نرويها في هذا الفصل. كان رستم أحد أولئك المماليك الذين يصعب تعقب أصولهم أو حياتهم الأولى، ألقى به القدر إلى القاهرة بعد أن بيع مراراً ولقي خطوبا، وقدم إلى بونابارت في القاهرة حينما طلب أن يؤتى له ببعض الإدلاء الوطنيين. وكان رستم يومئذ فتى في عنفوانه وسيم المحيا، فراق نابوليون منظره، وسأله حسبما يقرر لنا رستم بعد ذلك في مذكراته، هل يجيد الركوب والطعان، فأجاب رستم بالإيجاب. وسأله نابوليون عن اسمه، فأجاب أن اسمه الأخير يحيى، ولكن اسمه الحقيقي الذي سمي به في بلاد الكرج مسقط رأسه هو رستم؛ فامره نابوليون أن يتسمى بهذا الاسم، ثم وهبه سيفاً دمشقياً رصعت قبضته ببعض الجواهر، ومسدسين زينا بالذهب، وألحقه بخدمته

ولم تمض أيام قلائل حتى اضطر نابوليون إلى مغادرة مصر مسرعاً إلى فرنسا، فلم ينسى أن يصطحب معه مملوكه الجديد رستم على ظهر السفينة (مويرون) التي أقلته إلى فرنسا مع بعض علماء الحملة من أصدقائه؛ وكان رستم يختص بخدمة سيده الجديد، ويقضي المساء على مقربة من الحلقة التي تتألف كل ليلة في مؤخرة (مويرون) من نابوليون والعالمين برتوليه ومونج يتحدثون في الشئون العامة أو يلعبون الورق؛ وكان نابوليون كثيراً ما يقول لمملوكه أنه سيجد في باريس كثيراً من المال والنساء الحسان، فيطرب رستم، وتضطرم مخيلته بالأحلام اللذيذة، ويتذكر ماضيه التعس الحافل بصنوف البؤس والمخاطرة، وما اسبغ الحظ عليه من رعاية ذلك السيد العظيم الذي سيقوده إلى مستقبل

<<  <  ج:
ص:  >  >>