للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حافل بصنوف السعادة والنعيم

ووصلت (مويرون) إلى المياه الفرنسية بعد رحلة خطرة دامت نحو خمسين يوماً؛ ولما وصل رستم في ركب سيده إلى باريس، رأى منظراً رائعاً لم يتصوره من قبل، وسحرته عظمة العاصمة الفرنسية، التي لم تكن القاهرة أعظم مدينة شاهدها في الشرق إلى جانبها شيئاً مذكوراً؛ ولم تمض أشهر حتى ظفر نابوليون بإلغاء الحكومة الإدارية المؤقتة (الديركتوار)، وصدر دستور القنصلية (ديسمبر سنة ١٧٩٩)، وانتخب نابوليون قنصلاً أولا، وانتخب معه صديقاه كامباسير ولبرون كقنصلين ثان وثالث؛ وهنا جاء دور رستم في الظهور إلى جانب سيده في المواكب العظيمة، وكان نابوليون يتوق دائماً إلى أن يحيط نفسه بتلك المظاهر الشرقية الساحرة، فكان رستم يتقدم عربة القنصل الأول دائماً، وهو على ظهر فرس بديع، وقد ارتدى صديرية من القطيفة الزاهية فوق ثوب واسع، ووضع على رأسه عمامة بيضاء أنيقة؛ وكان منظره الشائق الساحر معاً اجمل ما في ركب القنصل حين يغدو وحين يروح

وجاء دور الإمبراطورية وتألق نجم رستم سراعا، وشهد الحفلة الدينية الكبرى التي توج فيها الإمبراطور بالرغم من معارضة رجال الخاصة، واعد له بهذه المناسبة ثوبان فاخران وضع رسمهما (إيسابي) مصور الإمبراطور، وظهر رستم في كنيسة (الانفاليد) وعليه صدرية من الكشمير الفاخر المطرز بالذهب وعمامة رائعة الحسن، وذاعت شهرته حتى اصبح من طرائف باريس التي يعني برؤيتها كل زائر للعاصمة، وطبعت صورته ووزعت بالألوف في جميع أنحاء فرنسا؛ وأغدق الإمبراطور على مملوكه العطاء والصلة ورتب له عدة رواتب حسنة حتى غدا من أهل اليسار والنعم؛ وكان الإمبراطور يثق به ثقة لأحد لها، فلم يكن من أقطاب حرسه الخارجي فقط، ولكنه كان حارسه الأمين في حياته الداخلية أيضاً؛ فكان ينام عند عتبة غرفة الإمبراطور في البهو الملاصق، وكان هو الذي يحمل العشاء إلى الإمبراطور والإمبراطورة حينما يكونان في الفراش؛ وكان ملحوظا بالرعاية من جميع أعضاء الأسرة الملكية والحاشية، حتى أن الملكة هورتنس ابنة الإمبراطورة جوزفين، وزوجة الجنرال مورات، عنيت بتصويره، وكانت تغنى له المقطوعات الساحرة حتى لا ينام أثناء التصوير

<<  <  ج:
ص:  >  >>