كلمة تثير في النفس ما تثير من غموض وإبهام، وتؤذن بشيء من الغرابة والخفاء. يقال: تفلسف فلان إذا ظن انه يمعن في الغريب ولا يأتي بما ألفه الناس. وقد يرمى الفلاسفة بأنهم (يعيشون مع الملائكة) ويسبحون في عالم الخيال، لا يشعرون بما يشعر به من حولهم، ولا يقيسون الأمور بما توارد عليه العرف المألوف. يقال: هذا فيلسوف، وما لنا ولهذه الفلسفة، إذا أريد عد المحدث عنه وحديثه في عالم النظريات حيث لا تنال الحقيقة الواقعة ما تستحق من تقدير. لذلك انتبذت الفلسفة، وانصرف الناس عنها، ونظروا إليها نظرة ازدراء واحتقار، أو توجس وخيفة. فالعصريون والمتحضرون ينتقصون الفيلسوف مدعين انه لا يعيش في عصره، ولا يأخذ بقسط وافر من شؤون الحياة، والجامدون والمتأخرون يرمونه بالإلحاد والزندقة والخروج على الأديان.
والفلسفة في بلدنا بوجه خاص غريبة عديمة النصير والأعوان، لا تكاد تجد من يتحبب إليها، ويأخذ بيدها، ولا من يصورها للناس في شكلها الواضح ومظهرها الصحيح. فالنظم التعليمية العامة لا تعمل على نشرها، ولا تقف النام على حقائقها؛ والجمهور يفر منها، ولا يحاول أن يتفهمها ليؤمن بما لها من اثر في تهذيب الأفراد والجماعات ورفع مستواهم العقلي والخلقي؛ والخاصة يتبادلون منها أفكاراً بالية وأراء عتيقة قل أن تُعرض عرضاً مستقيما، وكأن الفلسفة في نظرهم ما جاء به أفلاطون وأرسطو دون أن يكون للقرون الوسطى والعصور الحديثة أبحاث يعتد بها أو نظريات يقام لها وزن. وهناك طائفة أخرى جنت على الفلسفة جنايات شنعاء، وزادت الناس فيها بغضا وكراهية، وهي جماعة أدعياء الفلسفة الذين يتهجمون عليها، ويكتبون فيها وينشرون، ويناقشون ويعترضون، دون أن ينفذوا إلى صميمها ويدركوا كنهها؛ وفي الصحف اليومية والأسبوعية من أمثلة هذه الجرأة العظيمة الشيء الكثير. وكان العلوم الفلسفية في هذا البلد حمى مباح، وسلعة تعرض في مختلف الأسواق، ومتاع يستخدمه من عرف ومن لم يعرف قدره. بل نلاحظ فوق هذا انه كثيراً ما كتب في الفلسفة من لم يجد السبيل إلى الكتابة في موضوع آخر؛ وبذا انعكست