للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكما أن البلشفية تزعم أنها حركة ومبادئ عالمية لإصلاح الدولة والمجتمع، فكذلك تزعم الفاشستية الإيطالية والنازية الألمانية. بيد أن الفاشستية لم تنجح كحركة عالمية، وان كانت قد ظهرت آثار يسيرة منها في بعض الدول الأخرى ويمكن القول بأنها لقيت وما زالت تلقى في جميع أنحاء العالم المتمدين اشد صنوف المعارضة، بل ما زالت رغم كل ما عملته لإصلاح شؤون إيطاليا الداخلية تثير بوسائلها عواطف الاشمئزاز والمقت؛ كذلك الدعاية الهتلرية لم تجاوز حدود ألمانيا، ولم تلق مزاعمها الجنسية بالأخص صدى، وقد وصفت نزعاتها بأنها وثنية بربرية؛ والخلاصة أن هذه الحركات الطاغية التي قامت بالعنف والإرهاب وما زال يسندها العنف والإرهاب بقيت حركات محلية، ومن المحقق أن مصائرها ترتبط بمصائر زعمائها ومصائر القوى العنيفة التي تسندها، ومن المرجح أنها ستنهار عند حدوث أول انفجار عام. على انه لا ريب أن هذا الطغيان الشامل الذي يسحق شعوبا عريقة بأسرها، وذلك التطور المدهش في شؤون الزعامة والحكم وهو تطور ترتب عليه أن تثب أحط العناصر والطبقات إلى أسمى الزعامات السياسية والقومية؛ وذلك الاستعباد المزري لكرامة الفرد ولشخصه وعقله وروحه؛ وتلك الوسائل البربرية لتدعيم الشهوات الحزبية والمذهبية، وهي وسائل تذكرنا بالعصور الوسطى؛ وتلك الأحقاد القومية والجنسية التي تثيرها أذهان متعصبة منحطة: نقول لا ريب أن هذه الخواص التي تلازم نظم الطغيان الحاضرة، والتي هي ملاذ قوتها وحياتها، هي في الواقع دلائل واضحة على انحلال المدنية الغريبة الحاضرة، وعلى قرب انحدارها إلى غمر جديدة من الاضطراب والفوضى

(مؤرخ)

<<  <  ج:
ص:  >  >>