للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الهائلة بوسائل العنف والإرهاب. نعم تزعم البلشفية أن لها غاية عالمية هي بث مبادئ الثورة العالمية وتحطيم النظم الرأسمالية كلها؛ وتعمل على البلشفية منذ أعوام طويلة لبث مبادئها ودعايتها في معظم أنحاء العالم،

ولكن البلشفية ما زالت وقفا على روسيا وحدها حيث تؤيدها القوة الطاغية العنيفة وحيث تتصرف حفنة من الطغاة الدمويين في مصائر الشعب الروسي وفي عقوله وأرواحه. ولقد نسجت الفاشستية في إيطاليا على هذا المنوال في تمكين قبضتها من الشعب الإيطالي، مع فارق في الأسس التي تقوم عليها فهي تقوم على فكرة السيادة القومية والعسكرية، بيد أنها كالبلشفية سيادة حفنة من الرجال، (بل رجل واحد) يؤيدهم حزب وجيش، ويفرضون أرادتهم على الشعب بوسائل العنف؛ وليس في الفاشستية ما يميزها إلا أنها من حيث التنظيم السياسي تقوم على الفكرة النقابية. وقد كانت الاشتراكية الوطنية (النازية أو الهتلرية) في ألمانيا احدث ألوان الطغيان المعاصر، بيد أنها من اشدها إمعانا في العنف وسحق الحريات والحقوق العامة؛ واهم مميزاتها وقواعدها الفكرة الجنسية أو فكرة السلالة والدم؛ وهي تذهب في تطبيق هذه النظرية التي تتخذها ستارا لغايات السياسة مذهب الإغراق المثير، وتصدر باسمها اغرب القوانين التعسفية وترتكب أشنع ألوان الاضطهاد والمطاردة؛ ومع أنها تتظاهر بأنها بطارد اليهودية في الواقع وتعمل على سحق نفوذها العنصري والاجتماعي في ألمانيا، فأنها في الحقيقة تذهب بعيدا في تأكيد النعرة الجنسية وتتخذها مثارا لعاطفة من التعصب الجنسي والقومي الشنيع، وهي بذلك من اخطر الحركات القومية التي تنذر بالانفجار المسلح؛ وللاشتراكية الوطنية خاصة أخرى، هي أنها تمعن في التسلط على شخص الفرد وعقله وروحه، فتسلبه كل إرادة وكل حق في التفكير أو التصرف المستقل، وربما كانت في ذلك اكثر إمعانا من البلشفية ذاتها؛ فالفرد لا وجود له في نظر الاشتراكية الوطنية؛ والدولة هي كل شئ. بيد أن الدولة والحكومة والزعامة ومصدر السلطات كلها ليست سوى العصبة الهتلرية ومن ورائها القوات النازية المسلحة؛ وهذا الإمعان في تطبيق الفكرة الحزبية لا يقتصر على الدولة والتشريع، بل يمتد إلى الاقتصاد والثقافة وكل ما هنالك مما له مساس بتكوين الفرد أو توجيهه، سواء في جسمه أو عقله وروحه

<<  <  ج:
ص:  >  >>