أخيراً في أسبانياٍ بعد أن سقطت ملوكيتها القديمة التالدة أمام الفورة العامة.
ولكن هذا الظفر الذي أحرزته الديمقراطية عقب الحرب الكبرى كان خليا، ولم يقم على أسس أو روح ديمقراطية حقيقية، بل استمد من الفوضى العامة التي أحدثتها الحرب؛ هذا إلى أن هذه الديمقراطية الظافرة لم تكن رزينة عاقلة، بل انساقت غير بعيد إلى ألوان خطرة من العنف والتطرف والفوضى. ومن جهة أخرى فقد كانت الديمقراطية قناعا للطغيان المطلق في روسيا السوفيتية وفي تركيا. وقد أدى تطرف الديمقراطية وتفرق كلمتها ووهن جبهتها غير بعيد إلى انهيار صروحها في إيطاليا حيث قام الطغيان المطلق باسم الفاشستية، ثم إلى انهيار صروحها في ألمانيا حيث قام الطغيان المطلق باسم الاشتراكية الوطنية، وانهارت الديمقراطية أيضا في بولونيا وفي النمسا وفي دول أخرى حيث قامت أنظمة قومية أو عسكرية طاغية بألوان وأسماء مختلفة، وهكذا لقيت الديمقراطية في بضعة الأعوام الأخيرة من ضروب الفشل والمحن ما لم تلقه قط في حياتها القصيرة الظافرة؛ والديمقراطية اليوم تناضل عن مبادئها وعن كيانها، ولكنها تناضل في غمر من الصعاب واليأس لأنها لا تناضل فقط أنظمة ومبادئ خصيمة، وإنما تناضل أيضا قوى عسكرية طاغية هي التي تعمل باسم المبادئ والنظم الجديدة.
غير أن الديمقراطية ما زالت تحتفظ بميزتها الكبرى، وهي أنها ما زالت تعتبر قانون الحكم العام، وما زالت مبادئها هي المبادئ الشعبية الخالدة، وهي المبادئ التي ترتكز إليها الحقوق والحريات العامة في كل الأمم المتمدنة؛ وهذا هو سر بقائها وسر قوتها، وهذا ملاذ آمالها ومستقبلها.
أما هذه النظم الطاغية التي تقوم اليوم باسم الشعب أو باسم القومية في دول مثل روسيا وتركيا وإيطاليا وألمانيا، فهي في الواقع نظم عنف وإرهاب محض؛ وهي ابعد النظم عن المبادئ الحرة والمبادئ الإنسانية: ذلك لأنها تمثل النزعة الفردية الحزبية قبل كل شئ، وفي هذه النزعة الفردية الحزبية تذوب فكرة الدولة والأمة والحقوق العامة؛ وقد قامت البلشفية في روسيا باسم الكتلة العاملة واسم سيادتها مناقضة لسيادة الرأسمالية في الدول الأخرى؛ بيد أن هذه السيادة المزعومة للكتلة العامة في روسيا، ليست سوى سيادة الحزب البلشفي، بل هي في الواقع سيادة عصبة من الزعماء والساسة يحكمون تلك الكتلة الشعبية