لم ينجح ترومان ولم يفشل دبوي. وإنما نجح الحزب الديمقراطي وفشل الحزب الجمهوري؛ لأن أكثرية الشعب الأمريكي الساحقة هي ديمقراطية المبدأ. إن المبدأ الجمهوري يميل إلى تعضيد الرأسمالية، وجميع أعوانه ماليون وممن يلوذون بالماليين وأصحاب الأعمال الكبرى المساهمون والمضاربون وكل من يشتغل بتثمير المال. وأما المبدأ الديمقراطي فيعضد العمل وأعوانه الزراع والصناع وأهل الحرف والمهن والصناعات والمستخدمون ومتوسطو الحال. وهم لاشك السواد الأعظم من الشعب. ومع ذلك صوت كثيرون منهم مع دبوي اعتباراً لشخصيته لا لمبادئه. ولكنهم لم يكفوا الترجيح كفنه.
ولطالما غرس الصهيونيون الأفاكون في عقول الناس أن الرعاية الأمريكية في أيديهم وأنهم إذا راعوا ترومان كان ترومان، وإذا راعوا غيره كان غيره. . . ولعل ترومان كان يظن هذا أيضاً. ولكن لما حميت معركة الانتخابات انحاز يهود ولاية نيويورك (وتعدادها ١٨ مليوناً ويهودها ثلاثة ملايين وهم لصف يهود أمريكا كلها) انحازوا إلى دبوي لأن مصالحهم المالية تكون مضمونة في عهد رياسة دبوي ولاتهمهم فلسطين عشر معشار ما تهمهم ماليتهم. وكان رجال العلم والسياسة والأعمال والمال والاقتصاد يراهنون مائة إلى واحد مع دبوي ليقينهم أن دبوي رجل الساعة. وهو أكفأ ألف مرة من ترومان. ولذلك صوت معه كثيرون من الديمقراطيين (من خصوم حزبه). ومع ذلك خاب وخسروا الرهان. وقد نسى هؤلاء المراهنون عواطف الأمة. الأمة لا تسعى وراء العلم والمقدرة السياسية ونحوهما، وإنما تسعى لمن يضمن لها مصلحة الفرد أولا ومصلحة الجمهور أخيراً. ولذلك انتخب ترومان بل لأنه كفيل بتنفيذ المبادئ الديمقراطية. فليس ترومان هو الذي انتصر، وإنما الديمقراطية هي التي انتصرت. وستظل تنتصر مادام الحزب الجمهوري يناصر المال وأصحاب المرافق وأسباب الأرزاق يتحكمون فيه.
هذه سنة الاجتماع الأخيرة. والحزب الجمهوري لن تقوم له قائمة بعد الآن إلا إذا نقح مبادئه وعد لها كثيراً بحيث تستهوي طبقة المتعيشين بكدهم وكدحهم.