كان الحزب الجمهوري متفوقاً على عهد تيودور روزفلت السابق الذي تولى رئاسة الجمهورية مرتين، وكان في سياسته يخالف مبادئ حزبه أحياناً ليمالئ الحزب الديمقراطي. وكان كثيرون من الرؤساء السابقين جمهوريين لأن الصولة كانت للماليين وأرباب الأعمال الكبرى أيام كانت سياسته الولايات المتحدة الأمريكية عرضة للرياح السياسية الخارجية ويخشى عليها منها يوم كانت الولايات المتحدة لا تزال الثالثة بين الدول الكبرى فكانت تحتاج إلى قيادة رأسماليين وأرباب أعمال - قيادة متيمة قوية. ولكن لما خرجت من الحرب الكبرى الأولى وأسطولها الثاني شرعت تستقل في كيانها وتطغى في بنيانها. وما شبت الحرب الثانية الأخيرة حتى صار أسطولها البحري الأول وأسطولها الجوي الأول وقوتها البرية ترعب. حينئذ صارت تطمح إلى الاستعمار التجاري والبترولي. فلم تعد تستند إلى حزب جمهوري رأس مالي بل إلى حزب شعبي عملي صناعي زراعي. فقويت فيها الديمقراطية. فمن يكن مرشح الحزب الديمقراطي يحرز قصب السيق ولو كان مغفلاً.
ولعل القارئ يعجب ويتساءل: لماذا صوت يهود ولاية نيويورك لدبوي وهم نصف يهود أمريكا؟ والجواب أن اليهود رأسماليون، فيهرعون إلى حيث تكون خيانة المال. فصوتوا مع الجمهوريين لأن الضمانة هناك أشد، وما كان تشدق الصهيونيين بأن ترومان يسترضيهم لكي يصوتوا له إلا أفكا وبهتاناً. ودعاية في الشرق فقط.
ولا ريب أن ترومان كان يراعي خواطرهم إلى حد ما لكي يكسبهم في معركة الانتخابات؛ ولكنه لم يحتج إليهم وعنده معظم الشعب وأخيراً عرف نفاقهم حين صوتوا لدبوي. فهل يا ترى يبقى مغفلاً يخدم أغراضهم كما يزعمون، أم أنه يشيح بوجهه عنهم بعد الآن وينظر إلى مصلحة بلاده قبل مصلحتهم وأمامه أربع سنين هو فيها غني عن اليهود، على فرض أنهم ينفعونه بشيء؟
مع كل ذلك لم يخدمهم الخدمة الجلي كما كانوا يتوقعون. كانوا ينتظرون أن يجهز لهم قوة عسكرية كافية لتنفيذ مشروع التقسيم. ولو فعل لتم التقسيم فعلا في يوم واحد. ولكن لم يشأ أن يفعل ولم يستطع أن يفعل لأن الكونجرس لا يوافقه على أن يرسل أبناءه الشبان الأمريكان لكي ينشئوا دولة لبني إسرائيل.
أما الآن فلا ندري هل يصر ترومان على أن يحول دون مشروع العقوبات لنا قضي الهدنة