إن الشرائع العالمية وهي المسيحية والإسلام والبوذية، كل منها تتطلع إلى السيطرة على العالم، وجعل الناس جميعاً تحت لوائها، وترمي كذلك إلى تحديد قواعد الفضيلة والخلق للبشر.
أما الشرائع القومية، ومنها شرائع اليهود والبراهمة واليابانيين والصينيين، فإنها تحدد مراميها في جماعة أو قبيلة أو أمة أو دولة بعينها، لأن تعاليمها لا يمكن أن تناسب جميع البشر بعكس الشرائع العالمية السابقة الذكر.
ونحن نعلم أن المبادئ الخلقية في جميع المدنيات تنحصر في طائفتين كبيرتين من الشرائع الزمنية والخلقية. فالأولى هي الشرائع القومية التي تعمل في حدود جماعة أو قبيلة أو دولة أو أمة، وهي كذلك لا تقتصر على توجيه الأفراد إلى الخير والسعادة عن طريق معاملته وسلوكه مع غيره، ولكنها تسيطر عليه في علاقته بالدولة أو الأمة التي هو فرد منها منتم إليها، والتي يجب أن ينظم حياته تبعاً لمقتضيات مصالحها وحاجاتها.
أما الثانية فهي الشرائع العالمية، وهذه تعمل على السيطرة على العالم وإخضاع البشر لقواعد الفضيلة التي ترى أنها صالحة لحياتهم، ملائمة لهم في كل زمان ومكان. والفرق بين هاتين الشرعيتين: أن الأولى قومية وسياسية، والثانية عالمية خلقية، وهذا الفرق يظهر واضحاً عند مقارنة الشريعة اليهودية أو البرهمية بالشريعة المسيحية أو الإسلامية.
ففي الدولة اليهودية مثلاً لك يكن الحكم حكماً روحياً، إذ عبد إسرائيل إلهاً قومياً، فلم تكن شريعتهم تقصر غايتها على تنظيم سلوك الفرد، ولكنها رمت إلى خير الشعب جملة، واليهود في نظر أنفسهم أفضل شعوب الأرض بما امتازوا به من مميزات وخصائص بأن جعلهم الله شعبه المختار، ذا العزة الخالدة والمجد المقدس، وفي نظر شريعتهم أن الأخلاق دين وسياسة معاً، وأن الشريعة قامت على رواس من الوطنية فكفلت البقاء للشعب المشتت