في بقاع الأرض شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، وكذلك استطاعت أن تبقى عليه وتصونه من الفناء في الكثرة العالمية.
أما الشريعة المسيحية فإنها روحية بحتة لم تتدخل في الشئون السياسية بل تركت ما لقيصر لقيصر، وبذلك طغت تعاليمها على النظام القومي، فجردته من العنصر السياسي وعملت على إزالته وهدمه، لأنها تعمل على غزو العقائد والأوضاع القومية بغير تمييز ولا تفرقة بين جنس وآخر، أو بين فرد وآخر من أفراد الجنس الواحد، وهدفها من ذلك انحلال القومية وجعل العالم كله خاضعاً للسيطرة الروحية، وفات العاملين عليها أن انهيار صرح القومية الإغريقية كان بسبب فلاسفتهم إلى الفكرة العالمية الحرة، ولم يدركوا أن هذه الفكرة لا تأتلف مع فكرة القومية ومميزاتها، وقد تقوضت أركان الدولة وزالت من الوجود لأنها عملت على بسط سلطانها على شعوب كثيرة مختلفة الشرائع متباينة العقائد، فلم يستطيع نظامها القومي وشريعتها السياسية (أي نظام وشريعة الدولة الإغريقية) أن تمتص كل هذه العناصر المتنافرة وإن كانت سيطرت عليها زمناً غير قليل، وقد جاء انتشار المسيحية في أرجائها تحولاً خطيراً في هيكل أوضاعها الخلقية، بل أنه أبدل نظامها القومي بشرعة عالمية مجردة عن الفكرة السياسية.
وأما اليابانيون والصينيون فقد احتفظوا بعناصرهم الوطنية وروحهم القومية لأن مبادئهم الخلقية تستند إلى دعامة قومية ثابتة، ومن خصائص الشرائع القومية أنها إذا خرجت من بيئتها وامتدت إلى الأمم الأجنبية، فإنها لا تقوى على الاحتفاظ بأثرها في تكييف حياة الأفراد وتوجيه أفكارهم ونزعاتهم، إذ من طبيعة الأقوام عدم مقدرتهم على الاحتفاظ بمميزاتهم وشخصياتهم إلا داخل حدود أنظمتهم ومبادئهم.
والتاريخ العالمي يحكي لنا قصة النضال بين الشرائع القومية ومميزاتها من يوم أن خلقت الشرائع العالمية. أما تاريخ الإسلام فإنه يضرب لنا أقوى الأمثال على اتجاهات الشرائع العالمية وقوتها، فإن النبي محمداً (صلى الله عليه وسلم) استطاع أن يغرس نظامه الخلقي ومبادئه العالمية في شعب على حالة من البداوة والفطرة، ولكن له عبادته وعقائده وطقوسه الخاصة، ورغم هذا فإن نظام الإسلام سرى في هذا الشعب سريان الماء في العود اليابس فأعاد إليه الحياة، وأكتسح تياره كل العقبات التي كانت أمامه، وتكشف عن قوة فائقة من