كان الضابط المصري (أحمس) الذي ارتفع إلى عرش الفراعنة في القرن السادس قبل الميلاد معروفاً في صباه بالمزح والمجون، وكان عربيداً لا يسلم من دعاباته زملائه ولا رؤساؤه ولا أصحاب القداسة من أحبار زمانه. فلما استوى على عرش بلاده نسي أصحابه أنه فرعون مصر وذكروا أنه الضابط العربيد، ثم جروا في معاشرته على السنة التي ألفوها يوم كانوا أنداداً في الرتبة وإخواناً في اللهو والمجانة، فصبر قليلاً على هذه المعاشرة التي لا يصبر عليها الملوك، ثم ضاق ذرعاً بها وبأصحابه وأزمع أن ينهرهم بالعظة والتمثيل، قبل أن ينهرهم بالسطوة والتنكيل؛ وقيل فيما قيل من أساطيره الكثيرة أنه أتى بإناء من الفضة تغسل فيه الأيدي فأتخذ منه تمثالاً لرب من الأرباب المعبودة في زمانه. ثم نصب التمثال في مدخل القصر حيث يراه القوم أول ما يرون عند دخوله، فما عبروه حتى خروا له ساجدين
وظهر لهم أحمس وهم يسجدون للتمثال فقال لهم: أتعلمون مم صنع هذا التمثال الذي حييتموه بالسجود؟ إنه من ذلك الإناء الذي كنتم في الوليمة الماضية تغسلون فيه أيديكم وتبصقون فيه من مضمضة أفواهكم. فمن منكم يجرؤ اليوم أن يبصق عليه أو يصيبه غسالة الأيدي؟ من فعل ذلك فجزاؤه الموت والعار، وان كان معدنه اليوم كمعدنه أمس في سوق البيع والشراء وفطن الضباط لما أراد، وعلموا أن أحمس الفرعون غير أحمس الضابط العربيد، فسجدوا حيث كانوا بالأمس يلقون الرشاش من غسالة الأفواه!
والمقصود من عظة (أحمس) أن الشيء الواحد قد يختلف في قيمته اختلاف الصورة حتى يهان ويبتذل في صورة، ويصان ويعبد في صورة أخرى
ولكننا نتجاوز ما أراده أحمس في هذه العظة لنقول: أن الشيء الواحد في الصورة الواحدة يختلف اختلاف التقدير والنظر حتى يهان ويبتذل عند أُناس ويصان ويعبد عند آخرون، بل حتى يكون له عند الإنسان الواحد شانان متفاوتان
وهذا تمثال أحمس نكتف به ولا تنتقل إلى غيره لنعرف كيف يختلف قدره باختلاف النظر إليه