فالصائغ الفنان يعطيه في تقويمه قيمة التحفة الجميلة التي لا تحسب بالدراهم والدنانير
والبخيل المتصيد للمال يغليه بمقدار ما يبذله فيه طلاب اقتنائه من عشاق الفن أو عباد هذه الأرباب
وعابد الوثن يتمرغ بين يديه
ومنكر الوثن يمرغه هو في التراب، وقد يعدو ذلك إلى تحطيمه وتحريم النظر إليه في صيغته المعبودة
وتاجر الفضة يحيله إلى الميزان، وصاحب الضرورة يبيعه بأبخس الأثمان، وحارسه يمنع الغبار أن يصل أليه لأنه يمنع رزقه وعقيدته وحماه
وهو مع هذا شئ واحد في صورة واحدة
فهل هو في الحق شئ واحد أو جملة أشياء؟
كنا على المائدة نخوض في حديث من هذا المعنى رهطاً من الأخوان الأدباء ورجال الفن والثقافة
فقال أحدنا: أن صديقنا فلاناً لتستهويه تلك الفتاة التي كانت تتهالك على من دونه فضلاً وعلماً ومكانة فلا تظفر منه بأكثر من اللهو بها أو الأعراض عنها؛ فما باله لا يرعوي؟ ألا يهديه أو يرده إلى صوابه ناصح أمين؟
قلت: وهل الفتاة التي استهوت صديقنا هي الفتاة التي استهواها من هو دونه في فضله ومقامه؟
قالوا: نعم. هي فلانة!
قلت: أعلم أنها هي فلانة، ولكني أحسب مع هذا أن تلك الفتاة هي غير هذه الفتاة
وكان أمامنا على المائدة صحفة من البط المطبوخ، فمضيت أقول: ألا أحدثكم بلغة الأماثيل فيما نتناوله الآن من الطعام ونحن مستطردون فيما بدأناه آنفاً من حديث العظات الرمزية؟
كان أربعة في جيرة واحدة من أحياء المدينة: متسول ولص ورجل كادح لرزقه وصائد من هواة الرياضة
فقال المتسول لزميل له وقد عبر به اللص في قيوده مسوقاً إلى سجنه: أنظر إلى ذلك الأحمق!. . . سطا على حظيرة البط ليلة أمس فتيقظ له الحارس وأوشك أن يرديه