برصاصة لأنه طمع في بطة أو بطتين! وهاهو ذا يساق إلى السجن حيث يصوم عن أمثال هذه الطعوم. أفما كان خيراً له أن يصنع كما صنعت أمس وقد شممت رائحة البط المطبوخ في منزل ذلك الصائد فما طرقت الباب حتى ناولوني صحفة أكلتها هانئاً بها غير جاهد في شرائها ولا سرقتها ولا صيدها ولا طبخها ولا اقتناء صحائفها؟ فأين غابت عنه حكمة القناعة وهي أقرب إليه من ذلك الخظار، ومما وراءه من الحبس والعار؟!
قال زميله: وما ظنك بالصائد الذي أكلت البط المطبوخ من بيته؟ أليس هو أحمق من اللص في طلب البط الذي يجود به مطبوخاً ولا ينال منه أكثر مما تنال؟ فعلام السفر من هنا إلى البحيرات النائية؟ وعلام شراء السلاح والعدو بين الماء والعراء؟ وعلام صيد الأسراب وبطة واحدة تكفيه، ولعله يجود بها على سائليه؟
وأصغى إليهما الرجل الكادح لرزقه فقال: الحمد لله على ما وفقني له من القصد والسداد: دريهمات معدوادت تغنيني عن نفقة الصياد وعن ذل السؤال وعن غشيان السجون
فمن من هؤلاء الأربعة على صواب! ولو أخذنا بالظاهر لكان الصائد المتعب أحمق الأربعة، ولو أخذنا بالحقيقة لكان دونهم جميعاً هو صاحب السهم الربيح والعقل الرجيح، لان البطة عنده ليست هي البطة التي يسرقها اللص، أو يستعطيها المتسول، أو يشتريها الشاري من السوق، ولكنها شئ يستحق أن يجهد له بالسفر والنصب وتعلم الرماية وبذل المال في السلاح، وهي كذلك شئ غير الذي ظفر به المتسول من بيته مطبوخاً بغير ثمن. فلا وجه للمبادلة ولا للمقابلة ين الشيئين
وهكذا يجوز أن تكون الفتاة التي استهوت صديقنا غير الفتاة التي تؤكل رخيصة على موائد منافسيه، فإنما العبرة ما يشعر به هو وما يشعر به هؤلاء، وليست العبرة بوحدة الأسماء والأجسام.
وليس الشيء الواحد بشيء واحد على هذا التقدير
تلك حقيقة ينساها معظم الناس وهي داخلة في كل عمل من أعمالهم اليومية، معترضة في كل خطوة من خطوات الحياة فالصنف الواحد من الخضر يشتريه اثنان في يوم واحد من سوق واحد بثمن واحد، فيؤكل على مائدة أحدهما كأنه من طعام أهل الجنة، ويؤكل على مائدة الأخر كأنه السم الزعاف