أما والله لولا اعتقادي بأن شباب المسلمين هم أحوج اليوم إلى هذا الكتاب منهم إلى الخبز الذي يأكلونه والهواء الذي ينشقونه، ما عدت بعد إذ تكلمت فيه، ولا ألححت عليه (هذا) الإلحاح، بعد أن وجدت من علمائنا (ذلك) الإعراض. وإني لأومن بما أقول، لا أبالغ ولا أغلو، وإن بالهواء والخبز لحياة الشاب في هذه الدنيا، ولكن بهذا الكتاب حياته في الأخرى وما الدنيا في الآخرة إلا هباء، ولا يؤثر الفانية على الباقية إلا جاهل أو غافل. ولو أن علماءنا داخلوا الشباب وخالطوهم وأخذوا منهم وأعطوهم، لوجدوا الكثرة منهم تجهل المعلوم من مبادئ الإسلام وتنكر المعروف من أحكامه، ولوجدوا فيهم من لا يعرف إذا أراد الصلاة كيف يصلي، وفيهم من لا يفرق بين كلام الله والثابت من حديث رسوله، وشروح الأئمة المعتبرين، وبين كلام المشعبذين والدجالين، ويضع ذلك كله في سطر واحد فيقرؤه جملة أو يطمسه جملة، ثم لا يعمل بشيء منه، ولا يراه لازماً له في حياته، ولا مرافقه في غدواته وروحاته، ولا يدخله في عداد الأمور الجدية التي يوليها عنايته ويجعل فيها همه. . . وإذا تكلم أحدهم في الدين. صلته بالحياة أو مِساسه بالسياسة، أعاد ما حفظ من أقوال الأوربيين والنافخين في مزاميرهم من الشرقيين.
ولقد غدا من المفهوم المشهور الذي لا يحتاج إلى إيضاح أن هؤلاء الشبان لا يمكن أن يقرءوا كتب الفقه والتفسير والحديث ولو طبعتها لهم على ورق أبيض. فأخرجتها عما ينبزونها به من أنها (كتب صُفْر. . .) ولا يمكن أن يدخلوا المساجد فيستمعوا فيها درس العلم، أو يحضروا مجالس الوعظ، لأنهم نُفّروا منها وأبعدوا عنها، ولا يمكن أن يتعلموا علوم الدين في مدارسهم (النظامية) الرسمية، لأن القائمين عليها، في مصر والعراق والشام لم يقتنعوا إلى اليوم بأن للدين علوماً محترمة تستحق أن تضيع في درسها سبع ساعات في الأسبوع، ولم يروا في علوم الدين ما هو أهل ليعنى به كعنايتهم بالرسم والغناء، ونسوا أو هم لم يعلموا أن من الأوربيين من يهتم بهذه العلوم ويرفع من قدرها، ويعلي مكانها، وأن رجلاً جرمانياً أسمه (بِرتزِل) قدم علينا الشام منذ سنوات، فعرفنا بنفسه، وأرانا بطاقته وإذا