وهناك مسألة أخرى يصح التحدث عنها، وهي مسألة الإيعاز والحكم الذاتي
فللإيعاز أشكال كثيرة. ومن أعود هذه الأشكال بالفائدة شكلان: الإيعاز الإيجابي، والإيعاز السلبي. والإيعاز السلبي فيما يبدو أكثر فائدة في مضمار التربية
فالمربي يركن إلى الإيعاز الإيجابي حين يجد تلميذه أو تلاميذه ينهجون سنناً يؤدي بهم فيما بعد إلى اعوجاج تربوي. فإذا لم يرعوا تلميذه أو تلاميذه عن إنهاج هذا السنن فله حينئذ أن يسلك أحد سبيلين: فإما أن يصطنع العسف، وأما أن يرفض تحمل مسئولية ما يحدث. وصفوة القول أنه إذا وجد المربي تلميذاً ينتهج سنناً في انتهاجه ضرر تربوي، فعليه إذا استطاع أن يحول بينه وبينه، وإلا فليخبر من بيدهم القوة
على أنه يجب ألا يركن إلى الإيعاز الإيجابي كثيراً، ولكن إذا مست الحاجة إليه فليصطنع بغير تردد
أما الإيعاز السلبي فهو أدعى إلى الاهتمام. ذلك لأنه الوسيلة التي يصطنعها المربي لتدريب تلاميذه على تفقد العلاقة بين السبب والمسبب، وبذلك يعمل على أن يحقق لهم شخصيتهم العقلية. ومتى مرن هؤلاء التلاميذ على تفقد العلاقة بين السبب والمسبب فأنهم يستطيعون أن يصلوا إلى مرحلة العمل المثمر
ولنضرب للإيعاز السلبي مثلا نوضح به هذا الذي نقول. فلنفرض أن هناك فصلاً يصطنع فيه الحكم الذاتي، وأن تلاميذ هذا الفصل يبحثون مثلا مشكلة التأديب. فهناك نجد هؤلاء التلاميذ عاطلين من العقول الناضجة ومن الخبرة بالحياة، وأنهم لهذا يغفلون في اعتبارهم بعض الأحوال، فإذا ما وصلوا إلى رأي ما في هذه المسالة، فأن رأيهم هذا يكون رأياً مبتسراً غير مبني على اعتبار جميع الأحوال. وهنا يأتي دور المدرس، فإما أن يضع نطاق اعتبارهم حالة يتناولها رايهم، واما أن يسألهم مباشرة عما إذا كان خطر ببالهم انهم اغفلوا اعتبار عامل من العوامل. فإذا أدى بهم هذا إلى أن يعيدوا النظر في رأيهم ويصلوا بذلك إلى كنه المسألة، فان المدرس يكون حينئذ قد اصطنع الإيعاز السلبي ليعينهم على الوصول إلى هذا الرأي الصحيح. وإذا لم يستطعيوا الوصول إلى هذا الرأي الصحيح فعلى