المدرس حينئذ أن يدعهم وما وصلوا إليه. فانهم سيدركون بالخبرة أنهم كانوا على خطأ، وأنهم لم يدخلوا في اعتبارهم جميع الحقائق.
وهنا مسألة ثالثة هي مسألة تأثيرات الحكم الذاتي. فللحكم الذاتي تأثير فيما يتعلق بالحياة، وتأثير فيا يتعلق بالنجاح في الحياة. ولنتكلم عن كل من هذه التأثيرات
١ - فيما يتعلق بالحياة
من وجوه النقد التي يمكن أن توجه إلى نظام الحكم الذاتي أنه يجبل التلاميذ على أن يحيوا حياة
مثلى بينها وبين واقع الحياة أمد بعيد، بحيث أنهم حين يلجون باب هذه الحياة يجدون أنفسهم
مضطربين إلى أن يفصلوا مما نشئوا عليه لينغمروا فيما هم فيه
والجواب على هذا الاعتراض أن الحكم الذاتي حين ينشئ التلاميذ على أن يحيوا هذه الحياة المثلى يعمل على إصلاح واقع الحياة وعلى معالجة ما فيها من عيوب. أما إذا نشأ التلاميذ على أن يحيوا حياة تشبه حياتهم الواقعة فأنه حينئذ لا يضطلع بأي إصلاح، وإنما يضمن للحياة الواقعة بقاءها على ما هي عليه من تخلف وقصور.
وهناك جواب آخر يتلخص في أنه يلاحظ دائما في أن التلاميذ يسلكون مسلكاً مضاداً لما يريده عليهم أساتذتهم. فإذا كان أساتذتهم يريدونهم على اعتناق الآراء القديمة البالية، فانهم على العكس من ذلك يعتنقون الآراء الثورية الهادمة، وإذا كانوا يريدونهم على اعتناق الآراء الثورية المجددة فانهم على العكس من ذلك ينتهجون نهجاً محافظاً. فهذه الحال الأخيرة هي ما نراه في نظام الحكم الذاتي. على أننا لا نقصد بالمحافظة هنا الجمود، بل المحافظة على خير ما في التراث القديم من تقاليد ثبتت على محك الزمان. ومعنى هذا كله أن نظام الحكم الذاتي يبث في نفوس التلاميذ روحاً مجددة ولكنة على أساس من القديم، روحاً تجمع بيم طرافة الجديد وعراقة القديم، روحاً تجدد ولكن لا تبدد.
٢ - فيما يتعلق بالمنزل
لاشك في أن نظام الحكم الذاتي الذي ينشأ عليه الطفل في المدرسة يطبع هذا الطفل بطابع خاص ويحيله شخصاً آخر ويبث فيه روح الحرية والشجاعة، بحيث نراه في المنزل وقد