للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[في تاريخ الأدب المصري]

أيدمر المحيوي

للأستاذ أحمد أحمد بدوي

١

في عصر الدولة الأيوبية، حينما كانت مصر زعيمة العالم الإسلامي ترفرف رايتها عليه، وتقف في وجه المغيرين من الصليبين وتصد هجماتهم، وتدفع عن بيت المقدس وتذود عن حياضه، وتحمي مدينة الشرق وتحوطها بسياج من المناعة والقوة، وحينما كانت مصر تقف أمام أوربا مجتمعة، يريد الأوربيون أن ينالوا منها منالاً، فتأبى مصر أن ينكسر عودها أو تلين قناتها، في ذلك العصر المليء بأسباب القوة، المفعم بالعظمة المصرية والمجد المصري، عاش الشاعر أيدمر المحيوي، وربى في أرض مصر، وفوق ثراها المخصب الندي، وهو في أصله ينتسب إلى الترك، وإن كنا نجهل ما يتعلق بأسرته وآله، ويظهر أن التاريخ يجهل كذلك أسرته، ولا يذكر إلا أنه كان مملوكاً للأمير محي الدين محمد بن محمد بن سعيد، ثم أعتقه وأصبح حراً، غير أنك إذا ذهبت تبحث عن السنة التي ولد فيها شاعرنا بله الشهر واليوم، فإنك غير مهتد إلى شيء، اللهم إلا أنه نشأ في عصر الدولة الأيوبية في منتصف القرن السابع الهجري، نستنبط ذلك استنباطاً من قصائده التي مدح بها بعض سلاطين تلك الدولة، وإذا أنت سألت التاريخ عن تربيته وتعليمه فإنك سوف تجد غموضاً وإبهاماً لا تستبين خلالهما إلا ما قد ينم عنه شعره من أنه درس اللغة، واطلع على كثير من شعر الشعراء السابقين والمعاصرين، فتثقف به وتأثره، وعارضه أحياناً كما فعل ذلك مع ابن المعتز وابن النبيه ومسلم بن الوليد والمتنبي - وإلا ما قد يكون قد تثقف به من علوم اللغة العربية على يد ولي نعمته محي الدين الذي نسب إليه والذي ظل أيدمر حافظاً لنعمته عليه يذكرها، ويمدح سيده بغرر القصائد والموشحات.

٢

ليس لنا اليوم إلا أن نحدثك عن شعره الذي بين أيدينا، وقبل أن نصفه لك أو نحدثك عنه حديثاً مسهباً، يحسن بنا أن نخبرك أن ما سوف نتحدث عنه ليس بكل شعره، بل هو مختار

<<  <  ج:
ص:  >  >>