على الرغم مني أعود إلى التفكير فيك، وعبثاً أحاول أن أصرف فكري إلى حديث غير حديثك، وذكر غير ذكرك. .
ولماذا أصرف فكري عنك؟
ألأني آلم إذ أفكر فيما تعانين، وما قد عانيت على مر السنين؟ ألم تعد في النفس بقية من الشجاعة؛ فأقابل بها الحقيقة؛ وإن كان أعذب ما فيها علقماً مريرا؟. .
ألعلي أخشى أن أدمنت التفكير فيك، أن أكون أبداً مقطب الجبين، سجين الكآبة، ثائر الفؤاد؛ لا أستقر على قرار، ولا أعرف للحياة لذة: فلا يبسم لي ثغر، ولا تقر لي عين؟
لماذا أصرف الفكر عنك؟
ألأني رويت من نميرك، وغذيت من ثراك، ونشقت من نسيمك، ورتعت في رياضك، وأظلني دوحك، وأطربني شدو غناء أطيارك. وهداني بدرك المنير إلى سر الجمال، وسماؤك الصافية إلى وحي الخيال، ونجومك اللامعة إلى جلال الكون، وشمسك المشرقة إلى قدرة الخالق؟
مع هذا أحاول أن أصرف فكري عنك؟ فأي عقوق هذا العقوق؟ وأي جحود هذا الجحود؟
أي مصر؟
لقد كنت من قبل عظيمة جليلة. كنت من قبل ورأسك يسامي النجم. وقد ترامت على أقدامكِ الأمم؛ لتقتبس منك النور؛ وتلتمس منك الهداية. لقد كنت وفي كفك الهائلة صولجان من الذهب ذو كرة مشرقة لامعة. يوم أن كانت الشعوب الأولى في ظلامها الحالك؛ مالها موئل غيرك؛ يوم لا نور إلا نورك؛ ولا هدى إلا هديك.
كانت في كفك كنوز الحضارة؛ وكنت تنثرينها بسخاء؛ للقريب والبعيد. فباتوا وهم أغنياء بما التقطوا من خيراتك، وما اقتبسوا من هباتك.
ثم حالت الحال، فأمسيت وقد تحطم الصولجان، وكسر الجناح وانتُهك الحمى! وذُلَ الأنف العزيز وانسَكَبَ الدمع العصي!!