عقدنا الأمل الأكبر على المجمع اللغوي المنعقد في مصر، وتوسمنا فيه حافزاً للخروج باللغة العربية عن جمودها وهي البعيدة عن روح العصر، الضيقة المسالكبمستنبطات العلم الحديث، والفسيحة الفجاج بما لنهضة اليوم غُنية عنه. فكان من المجمع الكريم أن خيبنا خيبة فاضحة. فما جاد علينا رجاله الميامين - دفع الله عنهم الخيبة!. . . - بكلمة واحدة من الكلمات التي خلقوها أو اشتقوها يجوز الركون إليها. فأتحفونا بالوحشيّ الغريب النافر منه حتى ابن البادية الجاثم بين كثبانه ونخيله، ورمونا بمئات (المستشزرات) ونحن نضيق بواحدة منها.
ألا عفا الله عن الأرزيز والجماز وأخواتهما. فمن يحفظها ويجهد قلمه في إثباتها والذوق نفسه يمجها. أنعتمدها نكاية بالذوق؟
ليعلم المجمع اللغوي السامي المقام أنه كفر بالرسالة المفوض أمرها إليه، فزلت به القدم في الخطوة الأولى. وإذا أبى إلا الصراحة قلنا أن ثقتنا به ذهبت عنا، خصوصاً والمفروض في إنشاء المجامع العلمية اللغوية رفع اللغة إلى مستوى روح العصر، لا التقهقر بها إلى ما بعد عشرات الأجيال، فيتخاطب بها جيل اليوم كما كان يتخاطب بها الأعراب في البادية.
والأعراب أنفسهم نفروا من كل لفظ غريب، فهل يجوز لمن يفاخر أسلافه بكونه ابتدع الطيارة والموّاج والمذياع أن يتكلم بلغة راعي الشويهة والبعير، وضارب خيام الوبر، ومفترش البلس؟
إنها لأضحوكة. والمجمع اللغوي في مصر وفر لنا هذه الأضحوكة، وربما شاء بها أن ينفي عنا جهامة الأيام السود. فالشكر له كل الشكر. على أنه كان في وسعه أن يثير فينا روح الإعجاب بدل أن يجرنا إلى الضحك في موقف الجد. فما يدعو رجاله إلى التمسك بالكلام العويص ومجالس الشنفري والملك الضليل والهمذاني وصاحبنا الفرزدق وإمامهم زهير والحطيئة وعمر بن أبي ربيعة ولا غضاضة بجرير؟. . . فهؤلاء ما حشوا أشعارهم بما لا يُفهم من وحشي غليظ، بل جاؤونا بكلام يقال اليوم وغداً وسميعه طروب له راض عنه، لا