يحتاج أبداً إلى القاموس كي يدرك ما يقرأ ويقع في أذنيه. فكأنه وهو يصغي إلى هذا النفر من الشعراء في حضرة خطيب من أبناء القرن العشرين!
وعندنا أن السادة أعضاء المجمع اللغوي الزاهر لو استشاروا أذواقهم لوقعوا على غير هذه المتكأكآت المفرنقعات. ولكنهم حرصوا على الشاذ فرموا أنفسهم بكل شذوذ. وما ضرّهم لو نهجوا نهج الأقدمين في إثبات الكلمات الدخيلة الشائعة علىالألسن والأقلام. وإذا أبوا إثباتها كما هي فليدوروا حولها بما لا تبعد بينهم وبينها الآفاق. فان يروا من الحيف أن نقول (تلفون) و (فونوغراف) و (بيجاما) فما عليهم إلا أن يقاربوا بين هذه الكلمات وكلمات عربية مشتقة أو أن يخلقوا كلمات جديدة غير وحشية تدل عليها.
أنا لا أرى اللغة تضيق بكلمة (تلفون) وقد فتحت صدرها لمئات الكلمات الدخيلة من فارسية وعبرية وسريانية ويونانية. فكما أثبتت الإسطرلاب والشمعدان والقنديل والورد والدستور والخردق والمنجنيق وما أشبه، في استطاعتها إثبات (تلفون) لاسيما والكلمة شاعت وباتت ملء الأفواه والأسماع. وإذا طاب لأفراد المجمع المحترمين العدول عنها فهناك كلمتا (هاتف) و (ندى) وكلتاهما أفضل من الأرزيز. وليس للمجمع إلا أن يقر إحداهما لتجري عليها الألسن والأقلام في البلاد العربية جمعاء، وهي ترى في المجمع صاحب الكلمة الفاصلة في الموضوع إن يكن ثمة تقدير للصواب والمألوف.
أجل، لم يثبت المجمع اللغوي المصري وجوده. فكان أشبه بإخوانه المجامع التي قامت في سائر البلاد العربية وحاولت أن تخدم لغتها فسقط في يدها وخفت صوتها؛ وهذا من سوء الحظ. فانه ليؤسفنا أن يجول في الخواطر أن المجمع المصري لا يملك الكفاية في القيام بالواجب المفروض عليه، مع أن رجاله متضلعون من علم اللغة، ولكن ما ينفع العلم إذا ندّ عن الذوق؟. . .
هذه كلمات تجرح - ولا نكير - غير أني أجرؤ على التفوُّه بها فالموقف يقضي بإعلانها، خصوصاً ونحن إزاء حقائق لا تجوز فيها المصانعة ولا المحاباة.
لقد طلبنا من المجمع أن يلجأ إلى قاموس (لاروس) الفرنسي يترجمه إلى اللغة العربية، وكفى الله المؤمنين القتال؛ على أن يترجمه بكلمات غير ثقيلة على السمع ولا مهجورة، فلم ينزل المجمع على هذا الطلب الحق، وكان أن نفحنا بألفاظ مستغربة من مخترعاته يؤلمنا