يعتمد العلماء اليوم على منابع أربعة للتجديد العلمي: الميراث العلمي، والبحث النظري، والبحث التجريبي، والتعمق العقلي في حقائق الأشياء ووضعها في قوانين لا تتعارض مع النتائج النظرية والتجريبية
ولن أتناول بالبحث في هذه المقدمة الميراث العملي فقد أشرنا إلى الدرجة التي وصل إليها من العظم حتى أصبح غير ميسور لباحث أن يتعرف في فرع واحد من العلوم كل ما ينشر فيه. أما البحث النظري فقد أصبح من القوة بحيث لا يستطيع المشتغلون بالعلوم التجريبية والذين تستنزف التجارب بين جدران المعامل كل أوقاتهم، الاستغناء عن تتبع التطورات التي تحدث في كل عام من الناحية النظرية، وإن أعمال إينشتاين وبلانك ودي بروي وشرودنجر ما يدل على ما للطبيعة النظرية من القوة اليوم
أذكر أني طالعت منذ عشرة سنوات إحدى صحف الصباح بباريس أن لويس دي بروي وكان عمره في ذلك الوقت حوالي خمسة وثلاثين عاماً حاز جائزة نوبل في الطبيعة وكان كل ما بلغه من منصب علمي وظيفة محاضر في السوربورن وفي مساء نفس اليوم حضر كعادته للمعمل الذي كنت أعمل فيه بالسوربورن الأستاذ موتون، وهو عريق في منصب الأستاذية فأردت أن أُلمَّ بشيء عن دي بروي فقال لي:(لا تظن أني أعرف عنه أكثر مما تعرف)، وبعد سبع سنوات من هذا التاريخ، وقُبيل وفاة الأستاذ موتون ذكر لي وهو طريح الفراش من مستشفى معهد باستير، وكنت أطالع له عملي:(لم يصبح لدينا من الوقت ما يكفي لتتبع دي بروي وفرانسيس بران ولا أنصحك أن تنفق وقتاً كبيراً لتتبعهم، ولكن يظهر لي أن عالم التخمين لم يصبح أقل أهمية من عالم التجارب)
أما البحث التجريبي في العلوم الطبيعية فقد بلغ ذروة تدل عليها التطبيقات التي تمت داخل معامل الأبحاث وخارجها مثل الاختراعات العديدة التي أصبحت تتداخل في جزء من